Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 1-17)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ويل للمطففين : هلاك عظيم للذين يبخسون المكيال وينقصونه ، طفّف المكيالَ : نَقَصَه . اذا اكتالوا على الناس يستوفون … : عندما يكتالون لأنفسِهم من الناس - يأخذون حقهم وافيا ، اما اذا كالوهم أو وزنوهم فإنهم يُنقِصون حقوق الغير . سجِّين : اسمُ الكتاب الذي تُكتب فيه اعمالهم . مرقوم : له رقم وعلامة . أساطير الأولين : أخبار الماضين . ران على قلبِه : غطى عليه . لَمحجوبون : لمطرودون عن أبواب الكرامة . لَصالو الجحيم : داخلون فيها . تبدأ السورة بحربٍ يعلنها الله على أناسٍ يمتهنون سرقة الناس ، سماهم الله " المطفِّفين " ، لأن الشيء الذي يأخذونه من حقوق الناس شيءٌ طفيف ، ولكنه سرقةٌ وغشّ . أما مَن هم ، فهم أولئك الذين يتقاضَون بضاعتهم وافية عند الشراء ويعطونها للناس ناقصةً عند البيع . ثم جار بصيغة التعجب من عمل هؤلاء المجرمين فقال تعالى : { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ألا يخطر ببال هؤلاء المطفّفين أنهم سيُبْعثون ليوم عظيم الهول ، حيث يقف فيه الناس للعرض والحساب ! ولا يخفَى ما في الوصفّ " لربّ العالمين " من الدلالة على عِظَم الذنب في أكلِ أموال الناس بالباطل . فالميزان هو قانونُ العدل الذي قامت به السماوات والأرض . وبعد ان ذكر اللهُ تعالى أنه لا يزاول التطفيفَ ونقصَ الميزان الا من ينكر يومَ القيامة والبعثَ والجزاء - أمر هنا بالكفّ عما هم فيه ، وذكر ان الفجّارَ ، كما سمّاهم ، قد أُعدّ لهم كتابٌ أُحصيتْ فيه جميع أعمالهم ليحاسَبوا عليها . { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ، كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } كفّوا عما أنتم عليه ، فهناك سِجِلٌ لاعمال الفجّار فيه جميعُ أعمالهم اسمه سِجّين ، { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } إنه شيء عظيم ليس مما كنتَ تعلمه يا محمد أنتَ ولا قومك . ان الأمر اكبرُ وأضخم من أن يُحيط به عِلم ، فهو { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } ، مسطور له علامة واضحة ، لا يُزاد فيه ولا يُنقَص منه ، { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 21 ] . ثم يأتي بالتهديدِ والوعيد لمن يكذّب باليوم الآخِر فيقول : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } الهلاكُ للجاحدين الذين لا يؤمنون بالآخرة { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } يظلُّ يعتدي على الحق ويُصرّ على الكفر ، لأنه من المجرمين الآثمين ، حتى إنه : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } منكراً أن القرآن قد نزل من عند الله وزاعماً انه مجرد خرافات وأباطيل عند الأمم السابقة ، جاء بها محمد ، كما جاء في قوله تعالى : { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] . ثم بيّن الله تعالى ان الذي جرّأَهم على الجحود والتمادي في الإصرار على الإنكار والكفر هي افعالهم القبيحة التي مَرَنوا عليها حتى صاروا لا يميزون بين الخُرافة والحجّة الدامغة فقال : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } . ليس القرآنُ والبعثُ والجزاء من الأساطيرِ والخرافات ، بل عَمِيَتْ قلوبُهم وغطّت عليها أفعالُهم وتماديهم في الباطل ، فطُمسَ على بصائرهم ، والتبست عليهم الأمورُ ولم يدركوا الفرقَ بين الصحيح والباطل . بعد ذلك ردت عليهم السورة ناقضةً ما كانوا يقولون من أن لهم المنزلة والكرامة يوم القيامة . { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } . أما ما تدّعون من انكم تكونون مقرّبين الى الله يوم القيامة ، فهو وهمٌ باطل ، فأنتم مطرودون من رحمة الله ، ومحجوبون عنه بسبب معاصيكم وجحودكم . وكما قال تعالى : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آل عمران : 77 ] . ثم بين الله مآلهم ومصيرهم فقال : { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو ٱلْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } . لقد حُجبوا عن القرب من الله ، وخابَ ظنُّهم الأثيم ، بل إنهم لَذاهبون الى النار حيث يقال لهم تبكيتا : إن هذا العذاب الذي حلّ بكم هو جزاؤكم بما كنتم تكذّبون في الدنيا أخبار الرسولِ الصادق الأمين . قراءات : قرأ حفص : بل ران باظهار لام بل ، وقرأ الباقون : بل رّان بادغام اللام بالراء ، وقرأ اهل الكوفة : رِين بالإمالة .