Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-15)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انشقت السماء : تصدعت . أَذِنت لربها : استمعت اليه ، أذِنَ للشيء : استمع اليه ، وأذِنَ بالشيء : عَلِمَه . حُقت : أطاعت ، وقع عليها الحق واعترفت بأنها محقوقة لربها . واذا الأرض مُدت : تغيرت جميع ملامحها وأصبحت قاعا صفصفا ، بإزالة جبالها وتغيير معالمها . وألقت ما فيها وتخلّت : أخرجت جميع ما فيها من الخلائق والكنوز التي طوتها في أجيالها العديدة . كادح : عامل بجد ومشقة ، كدح في العمل كَدحا : سعى ، وأجهد نفسَه ، وعملَ خيراً أو شرّا ، وكدحَ لِعياله : كسبَ لهم بمشقة . فملاقيه : فسوف تجدُ عملَك امامك مسجلاً في سِجلٍّ دقيق ، لا ينسى شيئا . ينقلب الى أهله : يرجع الى عشيرته فرحا مسرورا . من أُوتي كتابه وراء ظهره : صورةٌ عجيبة من الاحتقار والازدراء . الثبور : الهلاك ، يدعو ثُبورا : يدعو على نفسه بالهلاك . يصلَى سعيرا : يدخل جهنم . إنه ظن انه لن يحُور : انه كان لا يؤمن بالبعث ، و الرجوع الى الله ، حار يحور حورا وحئورا : رجَعَ . بلى : سيرجع الى الله ويحاسَب . بين الله تعالى في مطلع هذه السورة الكريمة أهوالَ يوم القيامة ، في آيات موجَزة هي من عجائب إيجازِ القرآن وبلاغته ، وذَكَر أن ما يقع بين يدي الساعة من كوارث وأهوالٍ تُشِيبُ الوِلدان ، ويفزع لها الانسان . فمنها : إذا تشقّقت السماءُ وتصدّعت ، واختلَّ نظامُ العالم ، واستمعت السماءُ لأمرِ ربّها وانقادت لحُكمه ، { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } أي انبسطت بنسفِ ما فيها من جبال ، وأصبحت لا بناءَ فيها ولا وِهاد ، كما قذفت ما في جوفها من الخلائق والكنوز . { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } واستمعت لأمرِ ربّها وأطاعت … إذا حصل كل هذا - لَقِيَ الانسانُ من الأهوال ما لا يحيط به الخيالُ في ذلك اليوم العصيب . بعد هذه المقدمة الهائلة أخبرَ اللهُ تعالى عن كدِّ الإنسانِ ، وتعبه في هذه الحياة . { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } . يا أيها الإنسانَ الغافل عن مصيره ، لا تظنَّ أنك خالد ، كلاّ انك مُجِدٌّ في السيرِ إلى ربك ، وراجع إليه يومَ القيامة ، وان كلَّ عملٍ عملتَه ، خيراً أو شراً ، سوف تُلاقيه أمامك في سجلٍّ دقيق ، وسَيُجازيك ربُّك على كَدْحِك من ثوابٍ وعقاب . في ذلك اليوم ينقسم الناسُ فريقين : فريقَ الصالحين البررة ، وهؤلاء يحاسَبون حسابا يسيرا ، وينقلبون الى أهلهم فرحين مسرورين كما قال تعالى ، { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } إذ يتجاوز الله عن سيئاته . وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " من نُوقش الحسابَ عُذِّب . فقالت عائشة : أوليسَ الله يقول { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } فقال : إنما ذلكَ العَرضُ ، ولكنّ من نوقش الحسابَ عُذِّب " . وفي الحديث : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِن الله يُدني العبدَ يوم القيامة حتى يضعَ كَنَفَهُ عليه ، فيقول له : فعلتَ كذا وكذا ، ويعدِّدُ عليه ذنوبَه ثم يقول له : سترتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرُها لك اليوم " ، فهذا هو المرادُ من الحساب اليسير . الكنف : الرحمة والستر . والفريق الثاني فريق العصاة الجاحدين ، وهؤلاء يحاسبون حساباً عسيرا ويَلْقَون من العذاب ما لا يتصوره الانسان … { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَىٰ سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِيۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } . هذه صورةٌ عجيبة جديدة ، تأتي لأول مرة في القرآن الكريم ، وهي إعطاء الكتاب للمجرمِ من وراءِ ظهره ، وما هي الا نوعٌ من الاحتقار وازدراء به . وهو حين يتناوله على هذه الصورة يدعو على نفسه بالهلاك والموت ، ولكن لا يجاب ، ويكون مصيره النار وبئس القرار ويقول : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [ الحاقة : 25 - 29 ] . لماذا ؟ انه كان في الدنيا ساهياً لاهيا ، سادراً وراء شهواته يُنكر البعثَ والحسابَ والجزاء ، وقد ظنَّ أن لن يرجعَ إلى الله ، ولن يبعثَه بعدَ الموت . { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } بلى إن الله سيعيدُه بعد موته ويحاسِبُه على عمله ، وهو لا تخفى عليه خافية . قراءات قرأ نافع وابن عامر وابن كثير والكسائي : يُصلى بضم الياء وفتح الصاد واللام المشددة ، والباقون : يصلى بفتح الياء واسكان الصاد وفتح اللام من غير تشديد .