Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 1-4)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

براءة : إعذار وإنذار بانقطاع العصمة . فسِيحوا في الارض : تجوّلوا فيها وتنقلوا . مخزي الكافرين : مذلهم . وأذان من الله : إعلام منه تعالى ومن رسوله ببراءتها من المشركين . لم ينقصوكم شيئا : لم يخلّوا في شروط المعاهدة . ولم يظاهروا عليكم : لم يعاونوا احداً عليكم . لقد دلت تجربة الرسول الكريم واصحابه مع المشركين في جميع انحاء الجزيرة العربية ان هؤلاء لا أمان لهم ولا عهود ، ولا يُؤمَن غدرُهم في حالَي القوة ولا الضعف ، بل لا يستطيع المسلمون ان يعيشوا على اسس المعاهدات ما داموا على شِركهم . فجاءت هذه السورة تأمر المسلمين بنبذِ عهود المشركين المطلقة ، واتمام عهودهم المؤقتة لمن استقام . وهكذا حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى محا الشرك من جزية العرب ودانت كلها للاسلام . وقد زاد اقبال العرب على الإسلام بعد الحجّة التي حجّها أبو بكر سنة تسع للهجرة ، وفي هذه الحجة أرسل النبيّ عليّ بن ابي طالب ليلحق بأبي بكر ، ويتلو على الناس قرآنا . فكان فصلا بين عهدين : عهدٍ كان الإسلام يقوى فيه شيئا فشيئا ، لكن مع بقاء الشرك في بعض القبائل ، وعهد آخر خلصت فيه الجزيرة كلها للاسلام . والقرآن - الذي تلاه عليّ على الناس ، وفَرّق الله به بين هذين العهدين - هو هذه الآيات الكريمة من سورة التوبة . { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } . هذه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم أيُها المسلمون من المشركين ، فيها إنذار بقطع تلك المعاهدات . { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } . قولوا أيها المسلمون : سِيروا في الأرض وانتم آمنون لا يتعرّض لكم أحدٌ من المسلمين بقتال مدة أربعةِ اشهر ، تبتدئ من عاشرِ ذي الحجّة من سنة تسع للهجرة ( وهو يوم النحر الّذي بُلِّغوا فيه هذه الدعوة ) ، وتنتهي في العاشر من شهر ربيعٍ الآخِر من سنة عشر . انتقِلوا طوال هذه المدة حيث شئتم ، وانتم تفكرون في عاقبة أمركم ، ثم تخيَّروا بين الاسلام والاستعداد للقتال ، واعلموا انكم لن تُعجزوا الله اذا أصررتم على شِرككم ، بل سيسلّط عليكم المؤمنين ويؤيدهم بنصره الذي وعدهم به . والعاقبة للمتقين . { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } هذا بلاغ من الله ورسوله إلى الناس كافة ، في اجتماعهم يوم النّحر من الحجّ الأكبر ، يصرّح بالبراءة من عهود المشركين . { فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } . فيا أيها المشركون الناقضونَ للعهدِ : إن تُبتم ورجعتم عن شِرككم بالله ، وعن خيانتكم وغدْرِكم ، كان ذلك خيراً لكم في الدنيا والآخرة ، أما ان بقيتم على ما أنتم عليه ، فاعلموا انكم لن تُفلِتوا من سلطان الله ولا من وعده لرسوله وللمؤمنين بالنصر عليكم . { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . وبشّر أيها الرسول الكريم جميع الكافرين بعذاب أليم في الآخرة . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } . أما من عاهدتم من المشركين ، فحافَظوا على عهودكم ولم يُخِلّوا بشيء منها ، ولم يُعِينوا عليكم أحداً - فأوفوا لهم عهدهم إلى نهايته واحترِموه { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين يحافظون على عهودهم . وفي هذه الآية دليلٌ على أن الوفاء بالعهد من فرائض الإسلام ما دام العهدُ معقودا وتصريحٌ بأن العهدَ المؤقت لا يجوز نقضُه الا بانتهاء وقته ، هذا اذا حافظ العدو المعاهد على ذلك العهد ، فان نقض شيئا منه اعتُبر ناقضاً كما قال تعالى { ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً } . روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : " بعثني أبو بكر في تلك الحَجَّة في مؤذِّنين بعثَهم يوم النحر يؤذنون بِمِنَى : ان لا يحُجّ بعد العام مُشرِك ، ولا يطوفَ بالبيت عُريان ، ثم أردف بعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره ان يؤذن ببراءة ، عين يتلوها على الناس " .