Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 34-35)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأكلون اموال الناس : يأخذونها بغير حق وبطرقٍ غير مشروعة . يصدون عن سبيل الله : يمنعون الناس عن معرفة الحقيقة . يكنزون الذهب والفضة : يخزنونها . بعد ان بين الله تعالى في الآيات السالفة كيف بدّل اليهود والنصارى ديانتهم واتّخذوا أحبارَهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ، بيّن هنا سيرةَ كثيرٍ من هؤلاء الرؤساء الدينيّين في معاملاتهم مع الناس ، ثم أوعدَ الباخِلين الذين يكنزون الذهب والفضة في خزائنهم ولا ينفقون منها في سبيل البر والخير - واعَدَهم بالعذاب الأليم في نار جهنم . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . يا ايها المؤمنون : اعلموا أن كثيراً من علماء اليهودِ ورهبانِ النصارى يستحلُّون أكْلَ أموال الناس بغير حق ، ويستغلّون ثقة الناس فيهم واتّباعَهم لهم في كلّ ما يقولون ، ويصدّون الناسَ عن الدخول في الاسلام ، ويَحْمِلونهم على الطعن فيه بما يبثّونه من تعاليم تخالف الواقع . وقوله تعالى : { إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ } فيه دِقة واحتراز ، فإن بينهم من لا يأكلُ أموال الناس ولا بدّ من أفرادٍ في أية جماعة من الناس فيهم بقيةُ خير . وأخذُ اموال الناس بغير حقٍّ شرعيّ له طرق عديدة ، منها الرشوة لأجل الحكم والمساعدة على إبطال حق او إحقاق باطل . وهي حرام على كلّ من أخذَها سواء اكان من الرؤساء الدينيّين أو من الموظفين والحكّام … وكذلك الرّبا ، فإنه من اكبر الفواحش . ومنها أخذُ المال جُعلا على مغفرةِ الذنوب ، ومنها أخذُ الأموال على الفتاوى لتحليلِ الحرام وتحريم الحلال . وهذا من أشدّ الذنوب واكبر الكبائر ، كما قال تعالى مخاطبا اليهود : { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [ الأنعام : 91 ] . { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . والذين يجمعون الأموالَ من جميع أصنافها ويكنزونها في خزائنهم ، ولا ينفقون منها في سبيل الله بأن يُخرجوا زكاتها ، ويتصدّقوا منها لبناء المدارس والمتشفيات ، ودور الأيتام والدفاع عن الوطن والعقيدة - فهؤلاء أنذِرْهم ايها الرسول الكريم بعذابٍ موجع . وقد وردت عدة روايات عن الصحابة والعلماء المجتهدين أن المال الذي تؤدّى زكاتُه ليس بكنز ، وهذا صحيح . ولكن هناك واجباتٍ أُخرى تستلزمها الضروةُ فيجب على اصحاب الاموال ان يشاركوا فيها مثل الجهاد وبناء المدارس والمساجد والمصحّات وغير ذلك ، والذي يدخلُ تحت قوله تعالى : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 19 ] . { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } . يؤتى بهؤلاء الناس يوم القيامة ويوقَدُ على هذه الأموال في نار جهنم ثم تُحرق بتلك الاموال المحْمَاة جباهُ أصحابها ، وجنوبُهم وظهروهم ، ويقال توبيخاً لهم : هذا ما ادّخرتموه لأنفسكم ولم تؤدوا منه حقَّ الله . ان ما كنتم تظنّونه من منفعةٍ في كنزه لأنفسِكم قد كان لكم ضُرّاً ، فقد صار في الدنيا لِغَيركم ، وعذابُه في الآخرة لكم ، فذوقوا اليوم العذاب الشديد . ومن أكبر أسباب الضعف الظاهر الذي نراه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية البخلُ والشحّ المستولي على ارباب الاموال فهم لا يبخلون على شهواتهم بانفاق الملايين ، أما حين تُطلب منهم الحقوق الواجبة من اجل الدفاع عن الاوطان وصد المعتدين - فإنهم لا يؤدون ما يجب عليهم . وقد وردت عدة روايات في نزول الآية ، منها حديثُ أبي ذرّ الذي أخرجه البخاري وغيره ، قال زيد بن وهب ، ابو سلميان الجهني ، وهو تابعي ثقة : ممرت بأبي ذرٍ بالرَّبَذَة ( موضع بين مكة والمدينة ) فقلت : يا ابا ذر ، ما أنزلك هذه البلاد ؟ فقال : كنت بالشام فقرأت ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) فقال معاوية : هذه نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : إنها فينا وفيهم . فصار ذلك سبباً للوحشة بيني وبيه ، فكتب اليَّ عثمانُ أن أَقبلْ إليّ . فلما قدمت المدينة انحرف عني الناسُ كأنهم لم يروني من قبل . فشكوت الى عثمان ، فقال : تنحَّ قريبا . فقلت : اني واللهِ لم أدَع ما كنت اقول " وكان يندّد باصحاب الاموال ، ويخوّف الناسَ من جمع الأموال وخزنها ، وكان يحدِّث الناس ويقول لهم : لا يبتن عند أحدِكم دينارٌ ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله او يعدّه لغريم الخ … وأخرج أبو داود والحاكم وابن ابي شَيبة وغيرهم عن ابن عباس : قال : " لما نزلت هذه الآية ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) كَبُرَ ذلك على المسلمين ، وقالوا : ما يستطيع احدٌ منا أن لا يُبقي لِولِده مالاً بعده ، فقال عمر : انا أفرَج عنكم ، فانطلق وتبعه ثَوْبان ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبيّ الله ، إنه قد كبر على اصحابك هذه الآية . فقال : ان الله لم يفرض الزكاةَ الا ليطيِّبَ بها ما بقي من اموالكم ، وانما فُرضت المواريثُ عن أموالٍ تبقى بعدكم ، فكبَّر عمر رضي الله عنه " يعني من فرط سروره . وذلك يعني ان المال الذي أخرجت زكاته ليس بكنز .