Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 29-33)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يدينون دين الحق : يعتنقون الاسلام . الجزية : الضريبة على الاشخاص لا على الأرض او التجارة او الماشية . وهم صاغرون : أذلاء ، خاضعون . عزير : هو الذي يسميه اهل الكتاب عزرا . يضاهئون : يشابهون ويحاكون . يؤفكون : يصرفون عن الحق الى الباطل . الاحبار : واحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها ، العلماء . البرهان : واحدهم راهب وهو المنقطع للعبادة . نور الله : دين الاسلام . بعد ان ذكر الله تعالى أحكام المشركين في إظهار البراءة من عهودهم ، وفي وجوب مقاتَلَتِهم وإبعادِهم عن المسجد - جاء هنا بحُكم أهل الكتاب وبيان الغاية منه . وفي ذلك توطئةٌ للكلام عن غزوة تبوك والخروج إليها في زمن العُسرةِ وقتَ الحر الشديد في الصيف ، وما يتعلق بها من فضيحة المنافقين . ثم بعد ذلك بيّن انحراف اليهود والنصارى عن دِينهم الاصلي ، وأنهم اتّخذوا أحبارَهم ورهبانَهم أرباباً من دون الله ، وأنهم يسعون في إبطال الاسلام ، وإخفاء الدلائل الدالة على صدق رسول الله وصحة دينه . { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } . يا إيها الذين آمنوا : قاتِلوا الكافرين من أهل الكتاب الذين لا يؤمنون إيماناً صحيحاً بالله ، ولا يقرّون بالبعث والجزاءِ إقراراً صحيحاً ، بل يقولون إن حياة الآخرة حياةٌ روحانية يكون فيها الناس كالملائكة . وهم لا يحرّمون ما نهى الله ورسوله عنه ، ولا يعتنقون الدين الحق وهو الاسلام … قاتِلوهم حتى يؤمنوا ، أو يؤدُّوهم الجِزيةَ خاضعين طائعين . والجزيةُ ضريبة مالية من أموال غير المسلمين المستظِلّين براية الاسلام ، وهي مقدار يتراوح بين اثني عشر درهما ، وثمانيةٍ واربعين . وذلك ليُسهوا في ميزانية الدولة التي تحميهم في أنفسِهم وأموالهم وأعراضهم . فهي في مقابل ما يؤخذ من المسلم ، فالمسلم يُؤخَذ منه خُمس الغنائم ، والزكاة ، وصدّقة الفطر ، وغير ذلك مثل الكفّارات للذنوب المختلفة . وتنفق الجزية في المصالح العامة ، وعلى فقراء اهل الذمة ايضا . وتفرض الجزية على أهل الكتاب ، ولا تُفرض على المشركين . هكذا عند جمهور العلماء . ويقرر ابو حنيفة أنها تفرض على غير المسلمين جميعا ، اما المشركون الذين لا تقبل منهم فهم مشركو العرب فقط . وفيما يلي عهد كتبه احد امراء عمر بن الخطاب الى مَرزُبان واهل دهستان . " هذا كتاب سويد بن مقرن لمزربان بن صول بن رزبان واهل دهستان وسائر اهل جرجان ان لكم الذمة وعليكم المنعة ، على ان عليكم من الجزاء في كل سنة على قدر طاقتكم على كل حالم ، ومن استعنّا به منكم فله جزاؤه في معونته عوضا عن جزائه ، ولكم الامان على انفسكم واموالكم ومللكم وشرائعكم ولا يغير شيء من ذلك . " . شهد بذلك سواد بن قطبة ، وهند بن عمر ، وسماك بن مخزمة وعتيبة بن النهاس . { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } . ترك اليهودُ الوحدانية في عقيدتهم وقالوا : عُزيرٌ ابنُ الله ، وترك النصارى الوحدانية كذلك فقالوا : المسيحُ ابن الله . وقولهم هذا مبتدَع من عندهم ، يردّدونه بأفواههم ، لم يأتِهم به كتاب ولا رسول ، وليس عليه حُجّة ولا برهان . وهم في هذا القول يشابهون قول المشركين قبلهم . عجباً لهم كيف يَضِلّون عن الحق الظاهر ويَعْدِلون الى الباطل ! وقد تُستعمل جملة " قاتله الله " هذه بالمدح . روى ابن اسحاق ، وابن جرير وابن مَرْدَوَيْه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : " اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن اوفى وابو انس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف ، وهم من رؤساء اليهود واحبارهم ، فقالوا : كيف نتّبعك وقد تركتَ قِبلتنا ، وانت لا تزعم ان عُزَيْراً ابن الله " . وعُزير هذا كاهن يهودي وكاتب شهير سَكَنَ بابل حوالي سنة 457 ق . م . أسَّس المجمع الكبير ، وجمع أسفار الكتاب المقدس ، وأدخل الأحرفَ الكِلدانية عوضاً عن العِبرية القديمة ، وألّف أسفار الأَيام ، وعِزرا ، ونحِمْيا ، وأحيا الشريعةَ اليهودية بعد ان نُسيت . من أجْل هذا فاليهود يقدّسونه حتى إن بعض يهود المدينة أطلق عليه لقب ( ابن الله ) . وأما النصارى فقد كان القدماء منهم يَعْنُون بقولهم عن المسيح انه " ابن الله " انه المحبوبُ او المكّرم ، كما نقول نحن " الخلق عيال الله " وكان منهم موحِّدون . لكنهم في مَجْمَع نيقية سنة 325م وتحت إشراف الملك قسطنطين ، قرروا عقيدةَ التثليث ، واعتمدوا الأناجيلَ الاربعة ، واحرقوا ما عداها وكانت تزيد على سبعين انجيلا . وقد خالف في ذلك خلقٌ كثير منهم يُسَمَّون الموحِّدين او العقليين ، لكن الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستنتية لا تعتدُّ بنصرانيهتم ولا بدِينهم ، مع ان رسالة المسيح ثابتة في اناجيلهم . ففي انجيل يوحنا : " وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك ، أنتَ الالهُ الحقيقي وحدّك ، ويسوع المسيحُ الذي ارسلتَه " . قراءات : قرأ : " عزير " بالتنوين عاصِم والكسائي . والباقون : " عزير " بترك التنوين . وقرأ عاصم : " يضاهئون " بالهمزة والباقون : " يضاهون " بغير همزة . { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ } . لقد اتخذوا رجالَ دِينهم ارباباً ، يشرّعون لهم ، ويكوِّن كلامهم دينا ، ولو كان يخالف قولَ رسولهم ، فاتّبعوهم في باطِلهم ، وأضافوا الى الشرائع ما سمِعوه من رؤسائهم واقوال أحبارهم من قبلِ ان يدونّوه في المِشنَة والتلمود ، ثم دونوه ، فكان هو الشرعَ العام وعليه العملُ ، وهو مقدَّم عندهم على التوراة . وانظروا النصارى باتّخاذهم المسيحَ ربّاً وإلهاً ، لقد غيرّ رؤساؤهم جميع الاحكام التي جاء بها المسيح ، وزادواحقَّ مغفرةِ الذنوب لمن شاؤا ، والله تعالى يقول : { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 135 ] وزادوا القولَ بِعصمة البابا في تفسيرِ الكتب الالهية ، ووجوبِ طاعته في كل ما يأمر به من الطاعات ، وينهى عنه من المحرمات . روى الامام أحمد والترمذي وابن جرير " عن عَدِيّ بن حاتم انه فرّ الى الشام ( وكان قد تنصَّر في الجاهلية ) فذهبت أخته بعد ان اسلمتْ ورغَبته في الاسلام والقدوم على رسول الله ، فقدم المدينة ، وكان رئيسا في قومه ، فدخل على رسول الله وهو يقرأ " اتّخَذوا أحبارَهم ورهبانَهم أرباباً من دون الله " ، قال عدي فقلت : إنهم لم يعبُدوهم فقال : " بلَى إنهم حَرّموا عليهم الحلالَ وأحَلّوا الحرام فاتّبعوهم ، فذلك عبادتُهم إياهم " . وقال رسول الله : يا عديّ ما تقول ؟ ايضرُّك ان يُقال اللهُ اكبر ؟ فهل تعلم شيئا اكبرُ من الله ؟ وما يضرك ان يقال لا إله الا الله ، فهل تعلم إلهاً غيرا لله ؟ ثم دعاه الى الإسلام ، فأسلم وشهد شهادة الحق ، قال فلقد رأيتُ وجهه استبشر " . { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . وقد أمَرَهم الله في كُتبه على لسان رُسله ان لا يعبدوا الا إلهاً واحدا ، لأنه لا يستحق العبادة في حكم الشرع والعقل الا الإله الواحد . تنزه الله عن الإشراك في العبادة والخَلْق والصفات . { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } . يريد الكفار بمزاعمهم الباطلة ان يطفئوا نورَ الله وهو الاسلام ، ولا يريدُ الله إلا ان يتم نورَه على الناس بإظهار دينه على يد خاتم النبيّن محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي ارسله الى الخلق اجمعين . هذا هو الوعدُ الحق من الله تعالى ، والدال على سنّته التي لاتتبدّل . { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } . هو الله الذ كَفَل إتمامَ نوره بإرسال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالحجج البينّات ، ودينِ الاسلام ليُعليَ هذا الدينَ ويرفع شأنه على جميع الأديان ولو كره ذلك المشركون . ولقد تحقَّقَ هذا الوعدُ على يد رسول الله وخلفائه ومن جاء بعدهم ، ونشروا نور الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها . لقد دام هذا النور فترةً طويلة من الزمن ، ثم تخلّى اصحابُ هذا الدين عنه خطو خطوة . غير أن حالنا المؤلم ليس نهاية المطاف … ان وعد الله قائم ينتظر العصبة المسلمة التي تحمل راية الاسلام التي لا تُهزم ، ولن يُخلِف الله وعدَه . روى الامام احمد عن عدي بن حاتم : " دخلتُ على رسول الله ، فقال : " يا عدي أسلمْ : قلت : إني من أهل دين . قال : انا أعلمُ بِدِينكم منك … ألستَ من الركوسية : ( دين بين الصابئة والنصرانية ) وانت تأكل المرباع ( والمرباع ما كان يأخذه رئيسُ القوم من الغنائم ، وهو من عادات الجاهلية ) ؟ قلت : بلى قال : فإن هذا لا يحلُّ لك في دينك . قال عدي : فتواضعتُ لَمّا قالها … فقال : أتعرف الحِيرةَ يا عدي ؟ قلت : لم أرها ، ولكن سمعتُ بها . قال : فوالذي نفسي بيده ليُتِمنَّ الله هذا الدين حتى تخرجَ الظعينةُ من الحِيرة حتى تطوف بالبيت من غير جوارِ احد ، لتفتحن كنوز كسرى بن هرمز . قلت : كنوز كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يعيله احد " . قال عدي بعد ذلك : فهذه الظعينةُ تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جوار احد ، ولقد كنتُ في مَنْ فتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة . يعني كثرة المال . فوعدُ الله حق ، والله يقول : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد : 7 ] .