Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 38-40)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انفروا في سبيل الله : أقدموا على الجهاد وأسرعوا في الخروج اليه . اثاقلتم : تباطأتم . في الغار : الغار هنا هو غار ثور الذي لجأ اليه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ابو بكر رضي الله عنه يوم الهجرة . سكينته : سكون النفس وطمأنينتها . الكلام من هنا الى أواخر السورة في غزوة تبوك ، وما لابسَها من هتك ستر المنافقين وضعفاء الايمان ، وتطهير قلوب المؤمنين من عوامل الشقاق . وهناك بعض الأحكام تخلّلت الآياتِ جرياً على سُنة القرآن في أسلوبه الحكيم . ومناسبة الآيات لِما قبلها ان الكلام السابق كان في حُكْم مشاكلِ اليهود ، وبيانِ حقيقة أحوالِهم المنحرفة ، وبيانِ بعض عقائد العرب في الجاهلية وإبطالها . والكلام هنا في غزوة تبوك ، ومواجهة الروم ومن يشايعهم من عرب الشام ، وجميعهم نصارى . وكانت المعركة في رجبَ ، سنةَ تسعٍ للهجرة ، المصادف لشهر تشرين الثاني . وتبوك موضع في منتصف الطريق بين المدينة ، ودمشق ، تبعد عن المدينة حوالي 600 كيلو متر ، وعن دمشق حوالى 700 كيلوا متر . كان مُلك الروم يشمل بلاد الشام ، وسمعوا بقوة الإسلام ، فخاف ملكهم هِرقْل على دولته . لذلك بادر الى جمع الجيوش ليهاجم المسلمين في دراهم . وقد نقل هذه الاخبار عددٌ من التجار الآتين من بلاد الشام ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس واستنفرهم الى قتال الروم . وتجهّز المسلمون حتى اجتمع جيشٌ كبير بلغ ثلاثين الفا . وقد تبارى المسلمون في البذل والعطاء ، فدفع عثمان بن عفان رضي الله عنه الف دينار ، وجاء أبو بكر بكل ما يملك ، وجاء عمر بنِصف ما يملك ، وتطوع الناس بقدر ما يستطيعون . كان الوقت في أواخر الصيف والحر الشديد ، والسفر طويل وشاق ، ولذلك سُميت غزوة العُسْرة . كانت الثمار قد طابت بعد نضجها ، والناس يحبّون المقام لجمع ثمارهم ، ويكرهون الشخوص آنذاك ، ومن هنا تخلّف المنافقون وتعّللوا بشتى المعاذير . وكان بينهم اربعة من كبار الصحابة هم : كعب بن مالك ، وهلال بن امية ، ومرارة بن الربيع ، وابو خيثمة ، وجاء أبو خيثمة الى داره فوجد زوجتَيه قد مهّدتا له الفراش ، وهيّأتا له كل سبيل للراحة ، فلما وجد كل هذه الرفاهية في منزله قال : رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الضِحّ ( الشمس ) والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظلٍّ بارد ، وطعام مهيّأ ، وامرأة حسناء ، وفي ماله مقيم ! ما هذا بالنَصَف . ثم هيّأ نفسه ولحق بالرسول وجيشه . وسيأتي خبر إخوانه الثلاثة الذين خُلّفوا فيما بعد . ومضى الجيش حتى وصل تبوك ولم يلقَ حربا ، وقد عقدت صلحاً مع حاكم تبوك وبعض حاميات الحدود ، وعاد الرسول وجيشه الى المدينة . واستغرقت هذه الرحلة نحو عشرين يوما . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ } . يا أيها المؤمنون ، ما لَكُم حِينما نَدَبكم الرسولُ الى الجهاد في سبيل الله تباطَأَ بعضُكم عن الخروج ، وأخلّدوا للراحة واللذة ! وكان من أسباب تثاقُلهم ما روى ابن جرير عن مجاهِد قال : اُمِروا بغزوة تبوك بعد الفتح وبعد حُنين وبعد الطائف ، اُمروا بالنفير في الصيف حين اخْتُرِفَت النخل ( قُطفت ) وطابت الثمار ، واشتهوا الظلال ، وشق عليهم الخروج ، فقالوا : منا الثقيلُ وذو الحاجة والشغل ، والمنتشِر به أمْرُه في ذلك كله . { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } . هل آثرتم لذّات الدنيا الفانية على سعادة الآخرة الكاملة ، ونعيمها الدائم ! ؟ ما هذا الذي تتمتعون به في الدنيا وما لذائذها المشوبة بالمنغّصات إلا تافهاً أمام متاع الآخرة العريض ! انه لا يرضى به عاقل ولن يقبله . روى أحمد ومسلم والترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله : " ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعلُ إصبعَه هذه في اليمّ ، فلينظْر بِمَ ترجع - واشار بالسبّابة " . { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً } . إن لم تستجيبوا للرسول ، فتخرجُوا للجهاد يعذّبكم الله عذاباً أليما في الدنيا يهلككم به ، ويستبدل بكم قوماً آخرين ، يطيعونه ولا يتخلّفون عن الجهاد . إنكم لا تضرون الله بهذا التخلف شيئا . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . قادر لا يُعجزه عقابكم ولا نُصره دِينه بغيركم : كما قال تعالى { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] . ثم بعد ذلك رغّبهم في الجهاد وبيَّن لهم أنه تعالى هو الذي ينصر نبيّه على أعداء دينه ، سواء أعانوه ام لم يفعلوا ، وهو سبحانه قد فعل ذلك والرسول في قلّة من العدد ، والعُدوُّ في كثرة ، فيكف واصحابه الآن كثيرون ، والعدوُّ قليل ! ! . { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } . ان لم تنصروا رسولَ الله فإن الله كفيلٌ بذلك . فلقد أيَده ونَصره حين أجمعَ كفّار قريش على قتله ، واضطروه الى الخروج من مكة مهاجراً ، وليس معه الا أبو بكر ثانيَ اثنين في الغار . والغارُ هو غار ثَوْر على ساعةٍ من مكة الى جهة اليَمَن . وقد مكثا فيه ثلاث ليالٍ ، وبينما هما في الغار اقتفى اثرهما نفر من المشركين ، فخاف ابو بكر على حياة الرسول ، فقال له رسول الله : لا تحزن إن الله معنا ، ولن يصلوا الينا . روى الامام أحمد البخاري ومسلم عن أنَس قال : " حدثني ابو بكر قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ، فنظرتُ الى أقومِ المشركين ، وهم على رؤوسنا فقلت : يا رسولَ الله ، لو ان أحدَهم نَظَر الى قدميه لأَبصرَنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثُهما " { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } . عند ذلك انزل الله الطمأنينة على رسوله ، وأيّده بجنود من عنده لا يعلمهم إلا هو سبحانه ، انتهى الأمرُ بأن جعَلَ كلمةَ الشِرك وشوكتَهم هي السفلى ، وكلمةُ الله وهي دينُه ، هي العليا بظهور نور الاسلام . { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } والله متّصفٌ بالعِزة لا يُقهر ، حكيم إذ يضع الأمورَ في مواضعِها . توقد اقتضت حكمتُه ان ينصر نبيه بعزّته ، ويُظهر دينه على جميع الأديان . قراءات : قرأ يعقوب " وكلمة الله " بالنصب ، والباقون بالرفع .