Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-43)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
خفافا : جمع خفيف والمراد النشاط والسرعة في الحركة ومن يستطيع التأهب بيسر . ثقالا : جمع ثقيل وهو كل من وجد صعوبة في السفر والتأهب اليه بمشقة . اي انفروا على كل حال . لو كان عرضا قريبا : كل ما يعرض للانسان مما فيه منفعة يحصل عليها بسهولة . وسفراً قاصدا : هينا لا مشقة فيه . الشقة : الطريق التي فيها تعب وعناء . بعد ان توعدّ من لم ينفِروا مع الرسول وتثاقلوا حين استنفرهم ، جاء بأمر حازم لا هوادةَ فيه ، فأوجب النفير العام على كل فرد ، فلا عذرَ لأحدٍ التي في التخلّف وتركِ الطاعة . { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } . أيها المؤمنون . إذا دعى داعي الجهاد فلبُّوا النداء ، وانفِروا على كل حال ، من يُسرٍ او عسرِ ، او صحة او مرض . فعندما يعتدي عدوّ على بلد من بلاد الاسلام يجب الجهادُ على كل فرد قادر ولو بمشقّة ، فاذا أُعِلن النفِيرُ العام وجَبَ الامتثال إلا في حال العجزِ التام ، وهو ما بيّنه الله تعالى بقوله : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ } [ التوبة : 91 ] . وجاهِدوا أعداءكم الذين يقاتلونكم ويعتدون على بلادِكم … بأموالكم وأنفسكم ، فمن استطاع الجهادَ بماله وبنفسه وجب ذلك عليه ، ومن قَدَر على أحدهما وجبَ عليه ما كان في مقدرته والآن ، والعدو يحتلّ جزاءا غالياً من بلادنا المقدسة هو فلسطين ، فإن الجهاد واجب بالمال والنفس على كل مُسلمٍ وعربيّ في جميع بلاد الإسلام ، وكل من يتخلّف فهو آثم ومقصِّر ، وخارج عن طاعة اللهِ ورسوله . وقد قال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه : " ما تركتْ أمةٌ الجهادَ إلا وقَرَنَها الله بالذلّ " . { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . إنَّ الذي أُمرتم به من النفير العام والجهاد في سبيل الله - هو الوسيلةُ في حِفظِ كيان الأمة وعلو كلمتها . وهو خير لكم في دِينكم ودُنياكم … أما في الدين فلا سعادة الا لمن ينصر الحقَّ ويُقيم العدل . وأما في الدنيا فلا عزّ لأمةٍ إى بالقوة ، فهي وسيلة لدفع العدوّ وكبحِ جماحه . وقد علم فضلَ ذلك أسلافنا من المؤمنين الصادقين فامتثلوا واهتدوا ففتحوا البلادَ واسدوا العباد . قال القرطبي عند تفسير هذ الآية : " قال ابن العربي : ولقد نَزلَ بنا العدوُّ - قصمه الله - سنة سبعٍ وعشرين وخمسمائة ، فجاس ديارَنا وأسَرَ خِيرتنا ، وتوسّط بلادنا في عدد هالَ الناسَ عددُه ، فقلت للوالي عليه : هذا عدوُّ الله قد حَصَل في الشَرَك والشبكة ، فلتكنْ عندكم بَرَكة ، ولتظهرْ منكم إلى نُصرة الدين المتعيِّنةِ عليكم حَرَكة ، فليخرجْ إليه جميع الناسِ حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار ، فيُحاط به ، فإنه هالك لا محالةَ ان يسَّركم الله له . فغَلبت الذنوبُ ورجفت القلوب بالمعاصي ، وصار كل واحدٍ من الناس ثعلباً يأوي الى وِجَارِه وان رأى المكيدةَ بِجارِه ، فإنا لله وإنّا إليه راجعون " . الوجار : حُجر الثعلب . اليس هذا ينطبق علينا اليوم في موقفنا من اليهود ! ! نحن أكثرُ منهم عددا ، وأغنى ثروةً ، وأقوى ، ولدينا كل الإمكانات لنحاربَهم ونسترد بلادنا منهم ، ولكن غلبت الذنوبُ ورجفت القلوب بالمعاصي … ولما أمَرَهم بالنَّفْر تخلَّف بعض المافقين لأعذار ضعيفة ، وتخلّف بعضُ المؤمنين فأنزل الله تعالى قوله : { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . بعد ان رغَّبهم في الجهاد ، وبيّن أن فريقاً منهم تباطأوا وتثاقلوا - بيَّنَ هنا أن فريقاً منهُم تخلّفوا ، رغم كل ما تقدم من الوعيد ، وجعلوا ينتحِلون الأعذار ، ليستأذنوا الرسول في التخلُّف ، فندّد بهم في تخلُّفهم من متابعة الرسول في الجهاد ، فقال : لو كان في ما دعوتَهم اليه منفعةٌ من منافع الدنيا قريبةُ المنال ليس في الوصول إليها كبيرُ عَناء ، أو لو كان سَفَراً هيّنا لا تعبَ فيه - لاتبعوك ايها الرسول ، ولكنك استنفرتهم الى بلدٍ بعيد وشقّ عليهم السفر ، في ذلك الوقت من الحر والقيظ . وسيحلِفون لك أنهم لو استطاعوا لخَرجوا معك . إنهم بهذا النفاق يُهلكون أنفسَهم ، واللهُ لا يخفى عليه حالُهم ، ويعلم أنهم كاذبون . ثم عاتب الله نبيّه صلى الله عليه وسلم في إذْنه لمن تخلّف عنه من المنافقين فقال : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } . لقد عفا الله عنك ايها الرسول في إذْنِك لهؤلاء المنافقين بالتخلّف عن الجهاد قبل أن تتبيّن أمْرَهم ، وتعلم الصادقَ من أعذارهم ان كان ، كما تعرِف الكاذبين منهم في ادّعائهم الإيمان .