Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 37-40)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا بيان لإعجاز القرآن ، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ، ولا بعشر سور ، ولا بسورة من مثله لأنه بفصاحته وبلاغته ، ووجازته وحلاوته ، واشتماله على المعاني العزيزة الغريزة النافعة في الدنيا والآخرة ، لا تكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ، ولا في أفعاله وأقواله ، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ، ولهذا قال تعالى { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله ، ولا يشبه هذا كلام البشر { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } أي من الكتب المتقدمة ، ومهيمناً عليه ، ومُبيناً لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل ، وقوله { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } ، أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بياناً شافياً كافياً حقاً لا مرية فيه من الله رب العالمين كما تقدم في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب " فيه خبر ما قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وفصل ما بينكم " ، أي خبر عما سلف وعما سيأتي ، وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه . وقوله { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند الله ، وقلتم كذباً وميناً إن هذا من عند محمد ، فمحمد بشر مثلكم ، وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن ، فأتوا أنتم بسورة مثله ، أي من جنس هذا القرآن ، واستعينوا على ذلك بكل من قدرتم عليه من إنس وجان . وهذا هو المقام الثالث في التحدي فإنه تعالى تحداهم ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد ، فليعارضوه بنظير ما جاء به وحده ، وليستعينوا بمن شاؤوا ، وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ، ولا سبيل لهم إليه ، فقال تعالى { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } الإسراء 88 ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه ، فقال في أول سورة هود { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } هود 13 ثم تنازل إلى سورة ، فقال في هذه السورة { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } وكذا في سورة البقرة ، وهي مدنية ، تحداهم بسورة منه ، وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبداً فقال { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ } البقرة 24 الآية ، هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم ، وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب ، ولكن جاءهم من الله مالا قبل لأحد به ، ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام ، وحلاوته وجزالته ، وطلاوته وإفادته وبراعته ، فكانوا أعلم الناس به ، وأفهمهم له ، وأتبعهم له ، وأشدَّهم له انقياداً كما عرف السحرة لعلمهم بفنون السحر أن هذا الذي فعله موسى عليه السلام لا يصدر إِلا عن مؤيد مسدد مرسل من الله ، وأن هذا لا يستطاع لبشر إِلا بإِذن الله . وكذلك عيسى عليه السلام بعث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى ، فكان يبرىء الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن الله ، ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه ، فعرف من عرف منهم أنه عبد الله ورسوله . ولهذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً " وقوله { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } يقول بل كذب هؤلاء بالقرآن ، ولم يفهموه ، ولا عرفوه { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } أي ولم يحصلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهلاً وسفهاً { كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي من الأمم السالفة ، { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلماً وعلواً وكفراً ، وعناداً وجهلاً ؟ فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم . وقوله { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ } الآية ، أي ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ، ويتبعك ، وينتفع بما أرسلت به { وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ } بل يموت على ذلك ، ويبعث عليه { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ، ومن يستحق الضلالة فيضله ، وهو العادل الذي لا يجور ، بل يعطي كلاً ما يستحقه ، تبارك وتعالى ، وتقدس وتنزه ، لا إله إلا هو .