Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 101-101)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا دعاء من يوسف الصديق ، دعا به ربه عز وجل ، لما تمت نعمة الله عليه باجتماعه بأبويه وإخوته ، وما منّ الله به عليه من النبوة والملك ، سأل ربه عز وجل كما أتم نعمته عليه في الدنيا ، أن يستمر بها عليه في الآخرة ، وأن يتوفاه مسلماً حين يتوفاه ، قاله الضحاك ، وأن يلحقه بالصالحين وهم إخوانه من النبيين والمرسلين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف عليه السلام ، قاله عند احتضاره ، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يرفع أصبعه عند الموت ، ويقول " اللهم في الرفيق الأعلى " ثلاثاً ، ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام ، واللحاق بالصالحين إذا جاء أجله ، وانقضى عمره ، لا أنه سأله ذلك منجزاً كما يقول الداعي لغيره أماتك الله على الإسلام ، ويقول الداعي اللهم أحينا مسلمين ، وتوفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين ، ويحتمل أنه سأل ذلك منجزاً ، وكان ذلك سائغاً في ملتهم كما قال قتادة قوله { تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } لما جمع الله شمله ، وأقر عينه ، وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها ونضارتها ، اشتاق إلى الصالحين قبله . وكان ابن عباس يقول ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف عليه السلام ، وكذا ذكر ابن جرير والسدي عن ابن عباس أنه أول نبي دعا بذلك ، وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام ، كما أن نوحاً أول من قال { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً } نوح 28 ويحتمل أنه أول من سأل إنجاز ذلك ، وهو ظاهر سياق قول قتادة ، ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا . قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان ولا بد متمنياً الموت ، فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " وأخرجاه في الصحيحين ، وعندهما " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، إما محسناً فيزداد ، وإِما مسيئاً فلعله يستعتب ، ولكن ليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إِذا كانت الوفاة خيراً لي " وقال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ورققنا ، فبكى سعد بن أبي وقاص ، فأكثر البكاء ، وقال يا ليتني مت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا سعد أعندي تتمنى الموت ؟ " فردد ذلك ثلاث مرات ، ثم قال " يا سعد إن كنت خلقت للجنة ، فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك " وقال الإمام أحمد حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس ، وهو سُلَيم بن جبير ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، ولا يدع به من قبل أن يأتيه ، إلا أن يكون قد وَثِق بعمله ، فإِنه إِذا مات أحدكم ، انقطع عنه عمله ، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً " تفرد به أحمد ، وهذا فيما إذا كان الضر خاصاً به ، وأما إِذا كان فتنة في الدين ، فيجوز سؤال الموت كما قال الله تعالى إِخباراً عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل قالوا { رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } الأعراف 126 وقالت مريم لما أجاءها المخاض ، وهو الطلق ، إلى جذع النخلة { يٰلَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } مريم 23 لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة لأنها لم تكن ذات زوج ، وقد حملت ووضعت ، وقد قالوا { يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يٰأُخْتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } مريم27 - 28 فجعل الله لها من ذلك الحال فرجاً ومخرجاً ، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله ، فكان آية عظيمة ، ومعجزة باهرة ، صلوات الله وسلامه عليه . وفي حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي في قصة المنام والدعاء الذي فيه " وإِذا أردت بقوم فتنة ، فتوفني إليك غير مفتون " وقال الإمام أحمد حدثنا أبو سلمة ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اثنتان يكرههما ابن آدم يكره الموت ، والموت خير للمؤمن من الفتن ، ويكره قلة المال ، وقلة المال أقل للحساب " فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت ، ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في آخر خلافته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له ، ولا يزداد الأمر إِلا شدة ، فقال اللهم خذني إليك ، فقد سئمتهم وسئموني . وقال البخاري رحمه الله لما وقعت له تلك الفتنة ، وجرى له مع أمير خراسان ما جرى ، قال اللهم توفني إِليك . وفي الحديث " إن الرجل ليمر بالقبر - أي في زمان الدجال - فيقول يا ليتني مكانك " لما يرى من الفتن ، والزلازل والبلابل والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون . قال أبو جعفر بن جرير وذكر أن بَني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ، استغفر لهم أبوهم ، فتاب الله عليهم ، وعفا عنهم ، وغفر لهم ذنوبهم . ذكر من قال ذلك حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج عن صالح المري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال إِن الله تعالى لما جمع ليعقوب شمله بعينيه خلا ولدُه نجياً ، فقال بعضهم لبعض ألستم قد علمتم ما صنعتم ؟ وما لقي منكم الشيخ ، وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا بلى ، قال فيغركم عفوهما عنكم ، فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ ، فجلسوا بين يديه ، ويوسف إلى جانب أبيه قاعد ، قالوا يا أبانا إِنا أتيناك لأمر لم نأتك لأمر مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله قط ، حتى حركوه ، والأنبياء عليهم السلام أرحم البرية ، فقال ما لكم يا بني ؟ قالوا ألست قد علمت ما كان منا إِليك ، وما كان منا إِلى أخينا يوسف ؟ قال بلى ، قالوا أولستما قد غفرتما لنا ؟ قالا بلى . قالوا فإن عفوكما لا يغني عنا شيئاً ، إِن كان الله لم يعف عنا ، قال فما تريدون يا بني ؟ قالوا نريد أن تدعو الله لنا ، فإذا جاءك الوحي من الله بأنه قد عفا عنا ، قرت أعيننا ، واطمأنت قلوبنا ، وإِلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبداً . قال فقام الشيخ ، فاستقبل القبلة ، وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين ، قال فدعا ، وأمن يوسف ، فلم يجب فيهم عشرين سنة ، قال صالح المري يخيفهم ، قال حتى إِذا كان على رأس العشرين ، نزل جبريل عليه السلام ، على يعقوب عليه السلام ، فقال إِن الله تعالى قد بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك ، وأن الله تعالى قد عفا عما صنعوا ، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة . هذا الأثر موقوف عن أنس . ويزيد الرقاشي وصالح المري ضعيفان جداً . وذكر السدي أن يعقوب عليه السلام لما حضره الموت ، أوصى إلى يوسف بأن يدفن عند إِبراهيم وإِسحاق ، فلما مات صبره ، وأرسله إلى الشام ، فدفن عندهما عليهم السلام .