Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 110-110)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى أنّ نَصْره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال ، وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه كقوله تعالى { وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } البقرة 214 الآية ، وفي قوله { كَذَّبُواْ } قراءتان ، إحداهما بالتشديد قد كذبوا ، وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقرؤها ، قال البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت له ، وهو يسألها عن قول الله تعالى { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } قال قلت أكُذِبوا أم كُذِّبوا ؟ قالت عائشة كُذِّبوا . قلت فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ، فما هو بالظن ، قالت أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك ، فقلت لها { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها ، قلت فما هذه الآية ؟ قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، فطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } ممن كذبهم من قومهم ، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم ، جاء نصر الله عند ذلك ، حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعبة عن الزهري قال أخبرنا عروة فقلت لها لعلها قد كُذِبوا ، مخففة ؟ قالت معاذ الله . انتهى ما ذكره . وقال ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } خفيفة . قال عبد الله ، هو ابن أبي مليكة ثم قال لي ابن عباس كانوا بشراً ، ثم تلا { حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاَۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } البقرة 213 قال ابن جريج وقال لي ابن أبي مليكة وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك ، وأبته ، وقالت ما وعد الله محمداً صلى الله عليه وسلم من شيء إلا قد علم أنه سيكون حتى مات ، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم . قال ابن أبي مليكة في حديث عروة كانت عائشة تقرؤها { وظنوا أنهم قد كُذِّبوا } مثقلة ، من التكذيب . وقال ابن أبي حاتم أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال جاء إنسان إلى القاسم بن محمد ، فقال إن محمد بن كعب القرظي قرأ هذه الآية { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } فقال القاسم أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول { حتى إذا استيئسَ الرسلُ وظنوا أتهم قد كُذِّبوا } تقول كذبهم أتباعهم . إسناد صحيح أيضاً . والقراءة الثانية بالتخفيف ، واختلفوا في تفسيرها ، فقال ابن عباس ما تقدم . وعن ابن مسعود فيما رواه سفيان الثوري عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله أنه قرأ { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } مخففة ، قال عبد الله هو الذي تكره ، وهذا عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما ، مخالف لما رواه آخرون عنهما . أما ابن عباس ، فروى الأعمش عن مسلم عن ابن عباس في قوله { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } قال لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم ، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم ، جاءهم النصر على ذلك { فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ } وكذا روي عن سعيد بن جبير وعمران بن الحارث السلمي وعبد الرحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس بمثله . وقال ابن جرير حدثني المثنى ، حدثنا عارم أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا شعيب ، حدثنا إبراهيم بن أبي حُرَّة الجزري قال سأل فتى من قريش سعيد بن جبير ، فقال له يا أبا عبد الله كيف هذا الحرف ؟ فإني إذا أتيت عليه ، تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } ، قال نعم ، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم ، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا ، فقال الضحاك بن مزاحم ما رأيت كاليوم قط رجلاً يدعى إلى علم فيتلكأ ، ولو رحلت إلى اليمن في هذه ، كان قليلاً . ثم روى ابن جرير أيضاً من وجه آخر أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير عن ذلك ، فأجابه بهذا الجواب ، فقام إلى سعيد فاعتنقه وقال فرج الله عنك كما فرجت عني ، وهكذا روي من غير وجه عن سعيد بن جبير أنه فسرها كذلك ، وكذا فسرها مجاهد ابن جبر وغير واحد من السلف ، حتى إن مجاهداً قرأها وظنوا أنهم قد كَذَبوا بفتح الذال . رواه ابن جرير ، إلا أن بعض من فسرها كذلك يعيد الضمير في قوله { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } إلى أتباع الرسل من المؤمنين ، ومنهم من يعيده إلى الكافرين منهم ، أي وظن الكفار أن الرسل قد كذبوا - مخففة - فيما وعدوا به من النصر . وأما ابن مسعود ، فقال ابن جرير حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا محمد بن فضيل عن جحش بن زياد الضبي عن تميم بن حَذْلم قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول في هذه الآية { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم ، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا - بالتخفيف - فهاتان الروايتان عن كل من ابن مسعود وابن عباس ، وقد أنكرت ذلك عائشة على من فسرها بذلك ، وانتصر لها ابن جرير ، ووجه المشهور عن الجمهور ، وزيف القول الآخر بالكلية ، ورده وأباه ، ولم يقبله ولا ارتضاه ، والله أعلم .