Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 27-29)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن قيل المشركين { لَوْلاَ } أي هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ } ، كقولهم { فَلْيَأْتِنَا بِـآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } الأنبياء 5 . وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة ، وأن الله قادر على إجابة ما سألوا ، وفي الحديث إن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهباً ، وأن يجري لهم ينبوعاً ، وأن يزيح الجبال من حول مكة ، فيصير مكانها مروج وبساتين إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ، فإن كفروا أعذبهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ، فقال " بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة " ، ولهذا قال لرسوله { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِىۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي هو المضل والهادي ، سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا ، أو لم يجبهم إلى سؤالهم فإن الهداية والإضلال ليس منوطاً بذلك ، ولا عدمه ، كما قال { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } وقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } يونس96 - 97 وقال { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } الأنعام 111 ، ولهذا قال { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي ويهدي إليه من أناب إلى الله ، ورجع إليه واستعان به وتضرع لديه { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } أي تطيب وتركن إلى جانب الله ، وتسكن عند ذكره ، وترضى به مولى ونصيراً ، ولهذا قال { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } أي هو حقيق بذلك . وقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس فرح وقرة عين . وقال عكرمة نِعْمَ ما لهم . وقال الضحاك غبطة لهم . وقال إبراهيم النخعي خير لهم . وقال قتادة هي كلمة عربية ، يقول الرجل طوبى لك ، أي أصبت خيراً . وقال في رواية طوبى لهم حسنى لهم ، { وَحُسْنُ مَـئَابٍ } أي مرجع ، وهذه الأقوال شيء واحد ، لا منافاة بينها . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس { طُوبَىٰ لَهُمْ } قال هي أرض الجنة بالحبشية ، وقال سعيد بن مَسْجُوح طوبى اسم الجنة بالهندية ، وكذا روى السدي عن عكرمة طوبى لهم هي الجنة ، وبه قال مجاهد . وقال العوفي عن ابن عباس لما خلق الله الجنة وفرغ منها ، قال { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ } وذلك حين أعجبته . وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب عن جعفر ، عن شهر بن حوشب قال { طوبى } شجرة في الجنة ، كل شجر الجنة منها ، أغصانها من وراء سور الجنة ، وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس ومغيث بن سُمَيّ وأبي إسحاق السبيعي ، وغير واحد من السلف أن طوبى شجرة في الجنة ، في كل دار منها غصن منها . وذكر بعضهم أن الرحمن تبارك وتعالى غرسها بيده من حبة لؤلؤة ، وأمرها أن تمتد ، فامتدت إلى حيث يشاء الله تبارك وتعالى ، وخرجت من أصلها ينابيع أنهار الجنة من عسل وخمر وماء ولبن . وقد قال عبد الله بن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، مرفوعاً " طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى ، سمعت عبد الله بن لهيعة ، حدثنا دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك ، قال " طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني " قال له رجل وما طوبى ؟ قال " شجرة في الجنة مسيرتها مائة عام ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " وروى البخاري ومسلم جميعاً عن إسحاق بن راهويه ، عن مغيرة المخزومي عن وهيب عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " قال فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي ، فقال حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها " وفي صحيح البخاري من حديث يزيد بن زريع عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } الواقعة 30 قال " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " وقال الإمام أحمد حدثنا سريج ، حدثنا فليح عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة اقرؤوا إن شئتم { وَظِلٍّ مَّمْدُود } " أخرجاه في الصحيحين . وفي لفظ لأحمد أيضاً حدثنا محمد بن جعفر وحجاج ، قالا حدثنا شعبة سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين - أو مائة سنة - هي شجرة الخلد " وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سدرة المنتهى ، فقال " يسير في ظل الغصن منها الراكب مائة سنة - أو قال يستظل في الفنن منها مائة راكب - فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال " رواه الترمذي . وقال إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود قال سمعت أبا أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها ، فيأخذ من أي ذلك شاء ، إن شاء أبيض ، وإن شاء أحمر ، وإن شاء أصفر ، وإن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن " ، وقال الإمام أبو جعفر بن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال طوبى شجرة في الجنة ، يقول الله لها تفتقي لعبدي عما شاء ، فتفتق له عن الخيل بسروجها ولجمها ، وعن الإبل بأزمتها ، وعما شاء من الكسوة . وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه ههنا أثراً غريباً عجيباً ، قال وهب رحمه الله إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، زهرها رياط ، وورقها برود ، وقضبانها عنبر ، وبطحاؤها ياقوت ، وترابها كافور ، ووحلها مسك ، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل ، وهي مجلس لأهل الجنة ، فبينما هم في مجلسهم ، إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجباً مزمومة ، بسلاسل من ذهب ، وجوهها كالمصابيح حسناً ، ووبرها كخز المرعزي من لينه ، عليها رحال ألواحها من ياقوت ، ودفوفها من ذهب ، وثيابها من سندس وإستبرق ، فينيخونها يقولون إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه . قال فيركبونها فهي أسرع من الطائر ، وأوطأ من الفراش ، نجباً من غير مهنة ، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه ، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأَخرى ، ولا برك راحلة برك الأخرى ، حتى إن الشجرة لتتنحى عن طريقهم لئلا تفرق بين الرجل وأخيه ، قال فيأتون إلى الرحمن الرحيم ، فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ، فإذا رأوه قالوا اللهم أنت السلام ومنك السلام وحق لك الجلال والإكرام ، قال فيقول تعالى عند ذلك أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي ، مرحباً بعبادي الذين خشوني بغيب ، وأطاعوا أمري ، قال فيقولون ربنا لم نعبدك حق عبادتك ، ولم نقدرك حق قدرك ، فأذن لنا في السجود قدامك . قال فيقول الله إنها ليست بدار نَصب ولا عبادة ، ولكنها دار ملك ونعيم ، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة ، فسلوني ما شئتم ، فإن لكل رجل منكم أمنيته ، فيسألونه حتى إن أقصرهم أمنية ليقول ربي تنافس أهل الدنيا في دنياهم ، فتضايقوا فيها ، رب فآتني مثل كل شيء كانوا فيها من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا ، فيقول الله تعالى لقد قصرت بك أمنيتك ، ولقد سألت دون منزلتك ، هذا لك مني ، وسأتحفك بمنزلتي لأنه ليس في عطائي نكد ولا قصر يد ، قال ثم يقول اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ، ولم يخطر لهم على بال ، قال فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة ، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ، على كل سرير منها قبة من ذهب ، مفرغة ، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة متظاهرة ، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين ، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ، ولا ريح ولا طيب إلا قد عبق بهما ، ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة ، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء ، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ، ويرى هو لهما مثل ذلك ، ويدخل إليهما فيحييانه ، ويقبلانه ، ويعلقا به ، ويقولان له والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك ، ثم يأمر الله تعالى الملائكة فيسيرون بهم صفاً في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له . وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده عن وهب بن منبه ، وزاد فانظروا إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم ، فإذا هو بقباب في الرفيق الأعلى ، وغرف مبنية من الدر والمرجان ، أبوابها من ذهب ، وسررها من ياقوت ، وفرشها من سندس وإستبرق ، ومنابرها من نور يفور من أبوابها ، وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء ، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها ، فلولا أنه مسخر إذاً لالتمع الأبصار ، فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض ، فهو مفروش بالحرير الأبيض ، وما كان فيها من الياقوت الأحمر ، فهو مفروش بالعبقري الأحمر ، وما كان فيها من الياقوت الأخضر ، فهو مفروش بالسندس الأخضر ، وما كان فيها من الياقوت الأصفر ، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر ، مبوبة بالزمرد الأخضر ، والذهب الأحمر ، والفضة البيضاء ، قوائمها وأركانها من الجوهر ، وشرفها قباب من لؤلؤ ، وبروجها غرف من المرجان ، فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم ، قربت لهم براذين من ياقوت أبيض ، منفوخ فيها الروح ، تجنبها الولدان المخلدون ، بيد كل وليد منهم حكمة بِرْذَون من تلك البراذين ، ولُجُمُها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت ، سروجها سرر موضونة مفروشة بالسندس والإستبرق ، فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم ببطن رياض الجنة ، فلما انتهوا إلى منازلهم ، وجدوا الملائكة قعوداً على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامة ربهم ، فلما دخلوا قصورهم ، وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم ، وما سألوا وتمنوا ، وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان جنتان ذواتا أفنان ، وجنتان مدهامتان ، وفيهما عينان نضاختان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان ، وحور مقصورات في الخيام ، فلما تبوؤوا منازلهم واستقروا قرارهم ، قال لهم ربهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ قالوا نعم وربنا قال هل رضيتم ثواب ربكم ؟ قالوا ربنا رضينا فارض عنا . قال برضاي عنكم حللتم داري ، ونظرتم إلى وجهي ، وصافحتكم ملائكتي ، فهنيئاً لكم ، { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } هود 108 ليس فيه تنغيص ولا تصريد ، فعند ذلك قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، وأدخلنا دار المقامة من فضله ، لا يمسنا فيها نصب ، ولا يمسنا فيها لغوب ، إن ربنا لغفور شكور . وهذا سياق غريب ، وأثر عجيب ، ولبعضه شواهد ، ففي الصحيحين " أن الله تعالى يقول لذلك الرجل يكون آخر أهل الجنة دخولاً الجنة تمنّ ، فيتمنى ، حتى إذا انتهت به الأماني ، يقول الله تعالى تمن من كذا ، وتمن من كذا يذكره ، ثم يقول ذلك لك وعشرة أمثاله " . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر " الحديث بطوله ، وقال خالد بن معدان إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ، لها ضروع كلها ترضع صبيان أهل الجنة ، وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة ، فيبعث ابن أربعين سنة ، رواه ابن أبي حاتم .