Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 21-25)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى أنه مالك كل شيء ، وأن كل شيء سهل عليه ، يسير لديه ، وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } كما يشاء وكما يريد ، ولما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة بعباده ، لا على جهة الوجوب ، بل هو كتب على نفسه الرحمة . قال يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يقسمه بينهم حيث شاء ، عاماً ههنا ، وعاماً ههنا ، ثم قرأ { وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } الآية ، رواه ابن جرير ، وقال أيضاً حدثنا القاسم ، حدثنا الحسن ، حدثنا هشيم ، أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عتيبة في قوله { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } قال ما عام بأكثر مطراً من عام ، ولا أقل ، ولكنه يمطر قوم ، ويحرم آخرون بما كان في البحر ، قال وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس ، وولد آدم ، يحصون كل قطرة حيث تقع ، وما تنبت . وقال البزار حدثنا داود ، هو ابن بكر التستري ، حدثنا حيان بن أغلب بن تميم ، حدثني أبي عن هشام ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خزائن الله الكلام ، فإذا أراد شيئاً قال له كن ، فكان " ثم قال لا يرويه إلا أغلب ، وليس بالقوي ، وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين ، ولم يروه عنه إلا ابنه . وقوله تعالى { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } أي تلقح السحاب ، فتدر ماء ، وتلقح الشجر ، فتفتح عن أوراقها وأكمامها ، وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم ، فإنه أفردها ، ووصفها بالعقيم ، وهو عدم الإنتاج لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعداً . وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود في قوله { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } قال ترسل الريح ، فتحمل الماء من السماء ، ثم تمري السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة ، وكذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة . وقال الضحاك يبعثها الله على السحاب ، فتلقحه فيمتلىء ماء . وقال عبيد بن عمير الليثي يبعث الله المبشرة ، فتقم الأرض قماً ، ثم يبعث الله المثيرة ، فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة ، فتؤلف السحاب ، ثم يبعث الله اللواقح ، فتلقح الشجر ، ثم تلا { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } . وقد روى ابن جرير من حديث عبيس بن ميمون عن أبي المهزم عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الريح الجنوب من الجنة ، وهي الريح اللواقح ، وهي التي ذكر الله في كتابه ، وفيها منافع للناس " وهذا إسناد ضعيف ، وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني يزيد بن جُعْدُبَةَ الليثي أنه سمع عبد الرحمن بن مخراق يحدث عن أبي ذر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله خلق في الجنة ريحاً بعد الريح بسبع سنين ، وإن من دونها باباً مغلقاً ، وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب ، ولو فتح ، لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء ، وهي عند الله الأذيب ، وهي فيكم الجنوب " وقوله { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي أنزلناه لكم عذباً يمكنكم أن تشربوا منه ، لو نشاء جعلناه أجاجاً ، كما نبه على ذلك في الآية الأخرى في سورة الواقعة ، وهو قوله تعالى { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِى تَشْرَبُونَ أَءَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَـٰهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } الواقعة68 - 70 ، وفي قوله { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } النحل 10 وقوله { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَـٰزِنِينَ } قال سفيان الثوري بمانعين ، ويحتمل أن المراد وما أنتم له بحافظين ، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ، ونجعله معيناً وينابيع في الأرض ، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به ، ولكن من رحمته أنزله وجعله عذباً ، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك ، ليبقى لهم في طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم . وقوله { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ } إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته ، وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم ، ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع ، وأخبر أنه تعالى يرث الأرض ومن عليها ، وإليه يرجعون ، ثم أخبر تعالى عن تمام علمه بهم أولهم وآخرهم ، فقال { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } الآية ، قال ابن عباس رضي الله عنهما المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام ، والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة ، وروي نحوه عن عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب والشعبي وغيرهم ، وهو اختيار ابن جرير رحمه الله . وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، عن رجل ، عن مروان بن الحكم أنه قال كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء ، فأنزل الله { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـئْخِرِينَ } ، وقد ورد فيه حديث غريب جداً ، فقال ابن جرير حدثني محمد بن موسى الحَرَشي ، حدثنا نوح بن قيس ، حدثنا عمرو بن قيس ، حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء ، قال ابن عباس لا والله ما رأيت مثلها قط ، وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا ، يعني لئلا يروها ، وبعض يستأخرون ، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم ، فأنزل الله { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـئْخِرِينَ } ، وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره ، ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما ، وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني ، وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وحكي عن ابن معين تضعيفه ، وأخرجه مسلم وأهل السنن ، وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ، وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } في الصفوف في الصلاة ، و { ٱلْمُسْتَـئْخِرِينَ } فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ، ليس فيه لابن عباس ذكر ، وقد قال الترمذي هذا أشبه من رواية نوح بن قيس ، و الله أعلم ، وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر ، عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَـئْخِرِينَ } وأنها في صفوف الصلاة ، فقال محمد بن كعب ليس هكذا { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } الميت والمقتول { ٱلْمُسْتَـئْخِرِينَ } من يُخلق بعد { وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } فقال عون بن عبد الله وفقك الله وجزاك خيراً .