Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 77-79)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن كمال علمه وقدرته على الأشياء في علمه غيب السموات والأرض ، واختصاصه بعلم الغيب ، فلا اطلاع لأحد على ذلك إلا أن يطلعه تعالى على ما يشاء ، وفي قدرته التامة التي لا تخالف ولا تمانع ، وأنه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون ، كما قال { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَٰحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } القمر 50 أي فيكون ما يريد كطرف العين ، وهكذا قال ههنا { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } كما قال { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَٰحِدَةٍ } لقمان 28 ثم ذكر تعالى منته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً ، ثم بعد هذا يرزقهم السمع الذي به يدركون الأصوات ، والأبصار التي بها يحسون المرئيات ، والأفئدة ، وهي العقول التي مركزها القلب على الصحيح ، وقيل الدماغ ، والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها ، وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلاً قليلاً ، كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده . وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى ، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه . كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " يقول تعالى من عادى لي ولياً ، فقد بارزني بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن دعاني لأجيبنه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولا بد له منه " فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة ، صارت أفعاله كلها لله عز وجل ، فلا يسمع إلا لله ، ولا يبصر إلا لله ، أي ما شرعه الله له ، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل ، مستعيناً بالله في ذلك كله ، ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح بعد قوله ورجله التي يمشي بها " فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يمشي " ولهذا قال تعالى { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } كقوله تعالى في الآية الأخرى { قُلْ هُوَ ٱلَّذِىۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَـٰرَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ ٱلَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } الملك 23 - 24 ثم نبه تعالى عباده إلى النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض ، كيف جعله يطير بجناحين بين السماء والأرض في جو السماء ، ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى التي جعل فيها قوى تفعل ذلك ، وسخر الهواء يحملها ويسير الطير كذلك ، كما قال تعالى في سورة الملك { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } الملك 19 وقال ههنا { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .