Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 80-83)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم ، يأوون إليها ، ويستترون بها ، وينتفعون بها بسائر وجوه الانتفاع ، وجعل لهم أيضاً من جلود الأنعام بيوتاً ، أي من الأدم ، يستخفون حملها في أسفارهم ليضربوها لهم في إقامتهم في السفر والحضر ، ولهذا قال { تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَـٰمَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا } أي الغنم ، { وَأَوْبَارِهَا } أي الإبل ، { وَأَشْعَارِهَآ } أي المعز ، والضمير عائد على الأنعام { أَثَـٰثاً } أي تتخذون منه أثاثاً ، وهو المال ، وقيل المتاع ، وقيل الثياب ، والصحيح أعم من هذا كله فإنه يتخذ من الأثاث البسط والثياب وغير ذلك ، ويتخذ مالاً وتجارة ، وقال ابن عباس الأثاث المتاع ، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وعطية العوفي وعطاء الخراساني والضحاك وقتادة . وقوله { إِلَىٰ حِينٍ } أي إلى أجل مسمى ووقت معلوم . وقوله { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً } قال قتادة يعني الشجر ، { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } أي حصوناً ومعاقل ، كما { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } وهي الثياب من القطن والكتان والصوف { وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } كالدروع من الحديد المصفح والزرد وغير ذلك ، { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } أي هكذا يجعل لكم ما تستعينون به على أمركم وما تحتاجون إليه ليكون عوناً لكم على طاعته وعبادته { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } هكذا فسره الجمهور ، وقرؤوه بكسر اللام من { تُسْلِمُونَ } أي من الإسلام . وقال قتادة في قوله { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } هذه السورة تسمى سورة النعم . وقال عبد الله بن المبارك وعباد بن العوام عن حنظلة السدوسي ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها { تَسْلَمونَ } بفتح اللام ، يعني من الجراح ، رواه أبو عبيد القاسم بن سلام عن عباد ، وأخرجه ابن جرير من الوجهين ، ورد هذه القراءة . وقال عطاء الخراساني إنما نزل القرآن على قدر معرفة العرب ، ألا ترى إلى قوله تعالى { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } وما جعل من السهل أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب جبال ؟ ألا ترى إلى قوله { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَـٰثاً وَمَتَـٰعاً إِلَىٰ حِينٍ } وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر ؟ ألا ترى إلى قوله { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } النور 43 لعجبهم من ذلك ، وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا لا يعرفونه ؟ ألا ترى إلى قوله تعالى { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } وما تقي من البرد أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب حر . وقوله { فإِن تَوَلَّوْاْ } أي بعد هذ البيان وهذا الامتنان ، فلا عليك منهم ، { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } وقد أديته إليهم { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } أي يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك ، وهو المتفضل به عليهم ، ومع هذا ينكرون ذلك ، ويعبدون معه غيره ، ويسندون النصر والرزق إلى غيره { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مجاهد أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله ، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } فقال الأعرابي نعم ، قال { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَـٰمِ بُيُوتًا } الآية ، قال الأعرابي نعم ، ثم قرأ عليه ، كل ذلك يقول الأعرابي نعم ، حتى بلغ { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } فولى الأعرابي ، فأنزل الله { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } الآية .