Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 84-88)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى عن شأن المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة ، وأنه يبعث من كل أمة شهيداً ، وهو نبيها ، يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي في الاعتذار لأنهم يعلمون بطلانه وكذبه كقوله { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } المرسلات35 - 36 فلهذا قال { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي الذين أشركوا { ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة ، { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي لا يؤخر عنهم ، بل يأخذهم سريعاً من الموقف بلا حساب ، فإنه إذا جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك ، فيشرف عنق منها على الخلائق ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه ، فتقول إني وكلت بكل جبار عنيد الذي جعل مع الله إلها آخر ، وبكذا وبكذا ، وتذكر أصنافاً من الناس ، كما جاء في الحديث ، ثم تنطوي عليهم ، وتلتقطهم من الموقف كما يلتقط الطائر الحب ، قال الله تعالى { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَٰحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } الفرقان 12 - 14 ، وقال تعالى { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا } الكهف 53 وقال تعالى { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } الأنبياء39 - 40 . ثم أخبر تعالى عن تبري آلهتهم منهم أحوج ما يكونون إليها ، فقال { وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ } أي الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا { قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } أي قالت لهم الآلهه كذبتم ، ما نحن أمرناكم بعبادتنا ، كما قال تعالى { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَـٰفِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ } الأحقاف5 - 6 وقال تعالى { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } مريم81 - 82 وقال الخليل عليه الصلاة والسلام { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } العنكبوت 25 الآية ، وقال تعالى { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } الكهف52 الآية ، والآيات في هذا كثيرة . وقوله { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ } قال قتادة وعكرمة ذلوا واستسلموا يومئذ ، أي استسلموا لله جميعهم ، فلا أحد إلا سامع مطيع ، وكقوله تعالى { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } مريم 38 أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ وقال { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } السجدة 12 الآية ، وقال { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىِّ ٱلْقَيُّومِ } طــه 111 أي خضعت وذلت واستكانت ، وأنابت واستسلمت . وقوله { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على الله ، فلا ناصر لهم ، ولا معين ولا مجير . ثم قال تعالى { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا } الآية ، أي عذاباً على كفرهم ، وعذاباً على صدهم الناس عن اتباع الحق كقوله تعالى { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } الأنعام 26 أي ينهون الناس عن اتباعه ، ويبتعدون هم منه أيضاً { وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } الأنعام 26 وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم ، كما قال تعالى { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } الأعراف 38 وقد قال الحافظ أبو يعلى حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله في قول الله { زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } قال زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال . وحدثنا شريح بن يونس ، حدثنا إبراهيم بن سليمان ، حدثنا الأعمش عن الحسن ، عن ابن عباس في الآية أنه قال { زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } قال هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل ، وببعضها في النهار .