Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 8-8)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده يمتن به عليهم ، وهو الخيل والبغال والحمير ، التي جعلها للركوب والزينة بها ، وذلك أكبر المقاصد منها ، ولما فصلها من الأنعام ، وأفردها بالذكر ، استدل من استدل من العلماء ممن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل بذلك على ما ذهب إليه فيها ، كالإمام أبي حنيفة رحمه الله ومن وافقه من الفقهاء بأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير وهي حرام ، كما ثبتت به السنة النبوية ، وذهب إليه أكثر العلماء . وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أنبأنا هشام الدستوائي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن مولى نافع بن علقمة أنَّ ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير ، وكان يقول قال الله تعالى { وَٱلأَنْعَـٰمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } فهذه للأكل ، { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا } فهذه للركوب ، وكذا روي من طريق سعيد بن جبير وغيره عن ابن عباس بمثله ، وقال مثل ذلك الحكم بن عتيبة أيضاً رضي الله عنه ، واستأنسوا بحديث رواه الإمام أحمد في مسنده حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا ثور بن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معديكرب ، عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير . وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث صالح بن يحيى بن المقدام ، وفيه كلام . ورواه أحمد أيضاً من وجه آخر بأبسط من هذا وأدل منه ، فقال حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن حرب ، حدثنا سليمان بن سليم ، عن صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام بن معد يكرب قال غزونا مع خالد بن الوليد الصائفة ، فقرم أصحابنا إلى اللحم ، فسألوني رمكة ، فدفعتها إليهم ، فحبلوها ، وقلت مكانكم حتى آتي خالداً فأسأله ، فأتيته فسألته ، فقال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة خيبر ، فأسرع الناس في حظائر يهود ، فأمرني أن أنادي الصلاة جامعة ، ولا يدخل الجنة إلا مسلم ، ثم قال " أيها الناس إنكم قد أسرعتم في حظائر يهود ، ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها ، وحرام عليكم لحوم الأتن الأهلية وخيلها وبغالها ، وكل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير " والرمكة هي الحِجْرَة ، وقوله حَبَلوها ، أي أوثقوها في الحبل ليذبحوها ، والحظائر البساتين القريبة من العمران ، وكأن هذا الصنيع وقع بعد إعطائهم العهد ومعاملتهم على الشطر ، والله أعلم ، فلو صح هذا الحديث لكان نصاً في تحريم لحوم الخيل ، ولكن لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل . ورواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادين كل منهما على شرط مسلم عن جابر قال ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير ، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل . وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه ونحن بالمدينة ، فهذه أدل وأقوى وأثبت ، وإلى ذلك صار جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم ، وأكثر السلف والخلف ، والله أعلم . وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال كانت الخيل وحشية ، فذللها الله لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وذكر وهب بن منبه في إسرائيلياته أن الله خلق الخيل من ريح الجنوب ، والله أعلم . فقد دل النص على جواز ركوب هذه الدواب ، ومنها البغال ، وقد أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة ، فكان يركبها ، مع أنه قد نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لئلا ينقطع النسل . قال الإمام أحمد حدثني محمد بن عبيد ، حدثنا عمر من آل حذيفة عن الشعبي عن دحية الكلبي قال قلت يا رسول الله ألاأحمل لك حماراً على فرس فتنتج لك بغلاً فتركبها ؟ قال " إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " .