Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 60-65)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبب قول موسى لفتاه ، وهو يوشع بن نون ، هذا الكلام ، أنه ذكر له أن عبداً من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى ، فأحب الرحيل إليه ، وقال لفتاه ذلك { لاۤ أَبْرَحُ } أي لا أزال سائراً { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين ، قال الفرزدق @ فَما بَرِحُوا حَتَّى تَهادَتْ نِساؤُهُمْ بِبَطْحاءِ ذي قارٍ عِيابَ اللَّطائِمِ @@ قال قتادة وغير واحد هما بحر فارس مما يلي المشرق ، وبحر الروم مما يلي المغرب ، وقال محمد بن كعب القرظي مجمع البحرين عند طنجة ، يعني في أقصى بلاد المغرب ، فالله أعلم . وقوله { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } أي ولو أني أسير حقباً من الزمان . قال ابن جرير رحمه الله ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحقب في لغة قيس سنة ، ثم روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال الحقب ثمانون سنة . وقال مجاهد سبعون خريفاً . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } قال دهراً ، وقال قتادة وابن زيد مثل ذلك . وقوله { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه ، وقيل له متى فقدت الحوت ، فهو ثمة ، فسارا حتى بلغا مجمع البحرين ، وهناك عين يقال لها عين الحياة ، فناما هنالك ، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء ، فاضطرب وكان في مكتل مع يوشع عليه السلام ، وطفر من المكتل إلى البحر ، فاستيقظ يوشع عليه السلام ، وسقط الحوت في البحر ، فجعل يسير في الماء ، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده ، ولهذا قال تعالى { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَبًا } أي مثل السرب في الأرض . قال ابن جريج قال ابن عباس صار أثره كأنه حجر . وقال العوفي عن ابن عباس جعل الحوت لا يمسّ شيئاً من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة . وقال محمد ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك " ما انجاب ماء منذ كان الناس غير مسير مكان الحوت الذي فيه ، فانجاب كالكوة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه ، فقال { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } " وقال قتادة سرب من البر حتى أفضى إلى البحر ، ثم سلك فيه فجعل لا يسلك طريقاً فيه إلا صار ماء جامداً . وقوله { فَلَمَّا جَاوَزَا } أي المكان الذي نسيا الحوت فيه ، ونسب النسيان إليهما ، وإن كان يوشع هو الذي نسيه ، كقوله تعالى { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } الرحمن 22 وإنما يخرج من المالح على أحد القولين ، فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه بمرحلة { قَالَ } موسى { لِفَتَـٰهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا } أي الذي جاوزا فيه المكان { نَصَباً } يعني تعباً { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ } قال قتادة وقرأ ابن مسعود " وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان " ولهذا قال { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } أي طريقه { فِي ٱلْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } أي هذا هو الذي نطلب { فَٱرْتَدَّا } أي رجعا { عَلَىٰ ءَاثَارِهِمَا } أي طريقهما { قَصَصًا } أي يقصان آثار مشيهما ، ويقفوان أثرهما ، { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } وهذا هو الخضر عليه السلام ، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال البخاري حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ابن دينار ، أخبرني سعيد بن جبير ، قال قلت لابن عباس إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر عليه السلام ، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل . قال ابن عباس كذب عدو الله ، حدثنا أبي ابن كعب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل ، فسئل أي الناس أعلم ؟ قال أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك . قال موسى يا رب وكيف لي به ؟ قال تأخذ معك حوتاً فتجعله بمكتل ، فحيثما فقدت الحوت ، فهو ثم ، فأخذ حوتاً فجعله بمكتل ، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون عليه السلام ، حتى إذا أتيا الصخرة ، وضعا رأسيهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل ، فخرج منه ، فسقط في البحر ، فاتخذ سبيله في البحر سربا ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ ، نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد ، قال موسى لفتاه { ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ، قال له فتاه { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَبًا } قال فكان للحوت سرباً ، ولموسى وفتاه عجباً ، فقال { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا } - قال - فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب ، فسلم عليه موسى ، فقال الخضر وأنى بأرضك السلام ؟ فقال أنا موسى . فقال موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم ، قال أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً ، { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه . فقال موسى { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } قال له الخضر { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } . فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرت سفينة ، فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ، فلما ركبا في السفينة ، لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى قد حملونا بغير نول ، فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها ؟ لقد جئت شيئاً إمراً { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } " قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم " فكانت الأولى من موسى نسياناً " قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة ، فنقر في البحر نقرة أو نقرتين ، ، فقال له الخضر ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر . ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل ، إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له موسى { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } قال وهذه أشد من الأولى ، { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } أي مائلاً ، فقال الخضر بيده { فَأَقَامَهُ } فقال موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبير كان ابن عباس يقرأ { وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً } وكان يقرأ { وأما الغلام فكان كافراً ، وكانَ أبواه مؤمنين } . ثم رواه البخاري عن قتيبة عن سفيان بن عيينة ، فذكر نحوه ، وفيه " فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت ، حتى انتهيا إلى الصخرة ، فنزلا عندها ، قال فوضع موسى رأسه فنام ، قال سفيان وفي حديث عن عمرو قال وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة ، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين ، فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر ، فلما استيقظ قال موسى لفتاه { ءَاتِنَا غَدَآءَنَا } قال وساق الحديث ، ووقع عصفور على حرف السفينة ، فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر لموسى ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره ، وذكر تمامه بنحوه " . وقال البخاري أيضاً حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير ، يزيد أحدهما على صاحبه ، وغيرهما قد سمعته يحدث عن سعيد ابن جبير قال إنا لعند ابن عباس في بيته ، إذ قال سلوني ، فقلت أي أبا عباس جعلني الله فداك ، بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل ، أما عمرو ، فقال لي قال كذب عدو الله ، وأما يعلى فقال لي قال ابن عباس حدثني أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " موسى رسول الله ذكر الناس يوماً ، حتى إذا فاضت العيون ، ورقّت القلوب ، ولى ، فأدركه رجل فقال أي رسول الله هل في الأرض أعلم منك ؟ قال لا ، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله ، قيل بلى ، قال أي رب وأين ؟ قال بمجمع البحرين ، قال أي رب اجعل لي علماً أعلم ذلك به . قال لي عمرو قال حيث يفارقك الحوت ، وقال لي يعلى خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح ، فأخذ حوتاً ، فجعله في مكتل ، فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال ما كلفت كبيراً ، فذلك قوله { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَـٰهُ } يوشع بن نون ليست عند سعيد بن جبير ، قال فبينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تَضَرَّب الحوت وموسى نائم ، فقال فتاه لا أوقظه ، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، وتَضَرَّب الحوت حتى دخل في البحر ، فأمسك الله عنه جرية الماء حتى كأن أثره في حجر ، قال فقال لي عمرو هكذا كأن أثره في حجر ، وحلق بين إبهاميه واللتين تليهما ، قال { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } قال وقد قطع الله عنك النصب ، ليست هذه عند سعيد بن جبير ، أخبره فرجعا فوجدا خضراً قال قال عثمان بن أبي سليمان على طنفسة خضراء على كبد البحر ، قال سعيد بن جبير مسجى بثوب ، قد جعل طرفه تحت رجليه ، وطرفه عند رأسه ، فسلم عليه موسى ، فكشف عن وجهه ، وقال هل بأرضي من سلام ؟ من أنت ؟ قال أنا موسى ، قال موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم ، قال فما شأنك ؟ قال جئتك لتعلمني مما علمت رشداً ، قال أما يكفيك أن التوراة بيديك ، وأن الوحي يأتيك يا موسى ؟ إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه ، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر ، حتى إذا ركبا في السفينة ، وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هذا الساحل إلى هذا الساحل الآخر ، عرفوه فقالوا عبد الله الصالح ، قال فقلنا لسعيد بن جبير خضر ؟ قال نعم ، لا نحمله بأجر ، فخرقها ووتد فيها وتداً ، قال موسى { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } قال مجاهد منكراً ، قَالَ { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } ، كانت الأولى نسياناً ، والثانية شرطاً ، والثالثة عمداً ، { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فَٱنْطَلَقَ حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } ، قال يعلى قال سعيد وجد غلماناً يلعبون ، فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً ، فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ، فقال أقتلت نفساً زكية لم تعمل الحنث ؟ وابن عباس قرأها زاكية مسلمة كقولك غلاماً زكياً ، فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقض فأقامه ، قال سعيد بيده هكذا ، ودفع بيده فاستقام ، قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً ، قال يعلى حسبت أن سعيداً قال فمسحه بيده فاستقام ، قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً ، قال سعيد أجراً نأكله ، وكان وراءهم ملك وكان أمامهم ، قرأها ابن عباس أمامهم ملك يزعمون ، عن غير سعيد ، أنه هدّد بن بدد ، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور { ملك يأخذ كل سفينة غصباً } ، فأردت إذا هي مرت به أن يدعها بعيبها ، فإذا جاوزوا ، أصلحوها فانتفعوا بها ، منهم من يقول سدوها بقارورة ، ومنهم من يقول بالقار ، كان أبواه مؤمنين ، وكان هو كافراً ، فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه ، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة كقوله { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً } ، وقوله { وَأَقْرَبَ رُحْماً } هما به أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر ، وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية ، وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد إنها جارية . وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال خطب موسى عليه السلام بني إسرائيل فقال ما أحد أعلم بالله وبأمره مني ، فأمر أن يلقى هذا الرجل ، فذكر نحو ما تقدم بزيادة ونقصان ، والله أعلم . وقال محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير قال جلست عند ابن عباس وعنده نفر من أهل الكتاب ، فقال بعضهم يا أبا العباس إن نوفاً ابن امرأة كعب يزعم عن كعب أن موسى النبي الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا ، قال سعيد فقال ابن عباس أنوف يقول هذا يا سعيد ؟ فقلت له نعم أنا سمعت نوفاً يقول ذلك ، قال أنت سمعته يا سعيد ؟ قال قلت نعم ، قال كذب نوف " . ثم قال ابن عباس حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى بني إسرائيل سأل ربه ، فقال أي رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني ، فدلّني عليه ، فقال له نعم في عبادي من هو أعلم منك ، ثم نعت له مكانه ، وأذن له في لقيه ، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح ، قد قيل له إذا حيي هذا الحوت في مكان ، فصاحبك هنالك ، وقد أدركت حاجتك ، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه ، فسار حتى جهده السير ، وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ، وذلك الماء ماء الحياة ، من شرب منه خلد ، ولا يقارنه شيء ميت إلا حيي ، فلما نزلا ، ومس الحوت الماء ، حيي ، فاتخذ سبيله في البحر سرباً ، فانطلقا ، فلما جاوزا النقلة ، قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، قال الفتى وذكر أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ، فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ، واتخذ سبيله في البحر عجباً ، قال ابن عباس فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها ، فإذا رجل متلفف في كساء له ، فسلم موسى عليه ، فردّ عليه السلام ، ثم قال له ما جاء بك ، إن كان لك في قومك لشغل ؟ قال له موسى جئتك لتعلمني مما علمت رشداً . قال إنك لن تستطيع معي صبراً ، وكان رجلاً يعلم علم الغيب ، قد علم ذلك ، فقال موسى بلى . قال { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } وإن رأيت ما يخالفني ، قال { فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ } وإن أنكرته { حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما ، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها ، فسأل أهلها أن يحملوهما فحملوهما ، فلما أطمأنا فيها ، ولجَّجت بهما مع أهلها ، أخرج منقاراً له ومطرقة ، ثم عمد إلى ناحية فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ، ثم أخذ لوحاً فطبقه عليها ، ثم جلس عليها يرقعها ، فقال له موسى ، ورأى أمراً أفظع به { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ } أي بما تركت من عهدك { وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } ثم خرجا من السفينة ، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية ، فإذا غلمان يلعبون خلفها ، فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه ، ولا أثرى ولا أوضأ منه ، فأخذه بيده ، وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله ، قال فرأى موسى أمراً فظيعاً لا صبر عليه ، صبي صغير قتله لا ذنب له ، قال { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً } أي صغيرة { بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } أي قد أعذرت في شأني { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ } فهدمه ، ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف ، وما ليس له عليه صبر ، فأقامه ، قال { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا ، وضفناهم فلم يضيفونا ، ثم قعدت تعمل من غير صنيعة ، ولو شئت لأعطيت عليه أجراً في عمله ، قال { هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } وفي قراءة ابن كعب { كل سفينة صالحة } وإنما عبتها لأرده عنها ، فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها ، { وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـٰناً وَكُفْراً فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـوٰةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } . { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي } أي ما فعلته عن نفسي { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً } فكان ابن عباس يقول ما كان الكنز إلا علماً ، وقال العوفي عن ابن عباس قالا لما ظهر موسى وقومه على مصر ، أنزل قومه مصر ، فلما استقرت بهم الدار ، أنزل الله أن ذكرهم بأيام الله ، فخطب قومه ، فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة ، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض ، وقال كلم الله نبيكم تكليماً ، واصطفاني لنفسه ، وأنزل عليّ محبة منه ، وآتاكم الله من كل ما سألتموه ، فنبيكم أفضل أهل الأرض ، وأنتم تقرؤون التوراة ، فلم يترك نعمة أنعم الله عليهم إلا وعرفهم إياها ، فقال له رجل من بني إسرائيل هم كذلك يا نبي الله قد عرفنا الذي تقول فهل على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال لا . فبعث الله جبرائيل إلى موسى عليه السلام فقال إن الله يقول وما يدريك أين أضع علمي ؟ بل إن لي على شط البحر رجلاً هو أعلم منك . قال ابن عباس هو الخضر ، فسأل موسى ربه أن يريه إياه ، فأوحى إليه أن ائت البحر ، فإنك تجد على شط البحر حوتاً ، فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شاطىء البحر ، فإذا نسيت الحوت وهلك منك ، فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب . فلما طال سفر موسى نبي الله ونصب فيه ، سأل فتاه عن الحوت ، فقال له فتاه وهو غلامه { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ } لك ، قال الفتى لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سرباً ، فأعجب ذلك موسى ، فرجع موسى حتى أتى الصخرة ، فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ، ويتبعه موسى ، وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس عنه الماء حتى يكون صخرة ، فجعل نبي الله يعجب من ذلك ، حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر بها ، فسلم عليه ، فقال الخضر وعليك السلام ، وأنى يكون السلام بهذه الأرض ؟ ومن أنت ؟ قال أنا موسى ، قال الخضر صاحب بني إسرائيل ؟ قال نعم ، فرحب به وقال ما جاء بك ؟ قال جئتك { عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } يقول لا تطيق ذلك ، قال { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } قال فانطلق به ، وقال له لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين شأنه ، فذلك قوله { حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } . وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن ابن عباس أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى ، فقال ابن عباس هو الخضر ، فمر بهما أبي ابن كعب ، فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه ، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه ؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل ، إذ جاءه رجل ، فقال تعلم مكان رجل أعلم منك ؟ قال لا ، فأوحى الله إلى موسى ، بلى عبدنا خضر ، فسأل موسى السبيل إلى لقيه ، فجعل الله له الحوت آية ، وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع ، فإنك ستلقاه ، فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر ، فقال فتى موسى لموسى أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ، فإني نسيت الحوت ، قال موسى { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا } فوجدا عبدنا خضراً ، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه " .