Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 83-84)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { وَيَسْـأَلُونَكَ } يا محمد { عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } أي عن خبره ، وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا سلوه عن رجل طواف في الأرض ، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا ، وعن الروح ، فنزلت سورة الكهف ، وقد أورد ابن جرير ههنا ، والأموي في مغازيه ، حديثاً أسنده ، وهو ضعيف ، عن عقبة بن عامر أن نفراً من اليهود جاؤوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين ، فأخبرهم بما جاؤوا له ابتداء ، فكان فيما أخبرهم به أنه كان شاباً من الروم ، وأنه بنى الاسكندرية ، وأنه علا به ملك إلى السماء ، وذهب به إلى السد ، ورأى أقواماً وجوههم مثل وجوه الكلاب ، وفيه طول ونكارة ، ورفعه لا يصح ، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل . والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره ، ساقه بتمامه في كتابه " دلائل النبوة " ، وذلك غريب منه ، وفيه من النكارة أنه من الروم ، وإنما الذي كان من الروم الاسكندر الثاني ، وهو ابن فيليبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم ، فأما الأول ، فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل عليه السلام أول ما بناه ، وآمن به واتبعه ، وكان وزيره الخضر عليه السلام ، وأما الثاني ، فهو اسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني ، وكان وزيره ارسطاطاليس الفيلسوف المشهور . والله أعلم . وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم ، وقد كان قبل المسيح عليه السلام بنحو ثلثمائة سنة ، فأما الأول المذكور في القرآن ، فكان في زمن الخليل ، كما ذكره الأزرقي وغيره ، وأنه طاف مع الخليل عليه السلام بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم عليه السلام ، وقرب إلى الله قرباناً ، وقد ذكرنا طرفاً صالحاً من أخباره في كتاب " البداية والنهاية " بما فيه كفاية ، ولله الحمد . وقال وهب بن منبه كان ملكاً ، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، قال وقال بعض أهل الكتاب لأنه ملك الروم وفارس . وقال بعضهم كان في رأسه شبه القرنين . وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال سئل علي رضي الله عنه عن ذي القرنين . فقال كان عبداً ناصحاً لله ، فناصحه ، دعا قومه إلى الله ، فضربوه على قرنه ، فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فسمي ذا القرنين ، وكذا رواه شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل سمع علياً يقول ذلك . ويقال إنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ المشارق والمغارب من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب . وقوله { إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي ٱلأَرْضِ } أي أعطيناه ملكاً عظيماً ممكناً فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحصارات ، ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض ، ودانت له البلاد ، وخضعت له ملوك العباد ، وخدمته الأمم من العرب والعجم ، ولهذا ذكر بعضهم أنه إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرني الشمس مشرقها ومغربها . وقوله { وَآتَيْنَـٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وغيرهم يعني علماً . وقال قتادة أيضاً في قوله { وَآتَيْنَـٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } قال منازل الأرض وأعلامها . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله { وَآتَيْنَـٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } قال تعليم الألسنة ، قال كان لا يغزو قوماً إلا كلمهم بلسانهم ، وقال ابن لهيعة ، حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار أنت تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا ؟ فقال له كعب إن كنت قلت ذلك ، فإن الله تعالى قال { وَآتَيْنَـٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب ، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار ، فإن معاوية كان يقول عن كعب إن كنا لنبلو عليه الكذب ، يعني فيما ينقله ، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه ، ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق ، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء منها بالكلية ، فإنه دخل منها على الناس شر كثير وفساد عريض . وتأويل كعب قول الله { وَآتَيْنَـٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق ، فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ، ولا إلى الترقي في أسباب السمٰوات ، وقد قال الله في حق بلقيس { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } النمل 23 أنه مما يؤتى مثلها من الملوك ، وهكذا ذو القرنين ، يسر الله له الأسباب ، أي الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي ، وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض وإذلال أهل الشرك ، قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سبباً ، والله أعلم . وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي من طريق قتيبة عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن حبيب بن حماز قال كنت عند علي رضي الله عنه ، وسأله رجل عن ذي القرنين كيف بلغ المشرق والمغرب ؟ فقال سبحان الله سخر له السحاب ، وقدر له الأسباب ، وبسط له اليد .