Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 59-59)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى حزب السعداء ، وهم الأنبياء عليهم السلام ، ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره ، المؤدين فرائض الله التاركين لزواجره ، ذكر أنه { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } أي قرون أخر { أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ } وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع لأنها عماد الدين وقوامه ، وخير أعمال العباد ، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ، فهؤلاء سيلقون غياً ، أي خساراً يوم القيامة ، وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة ههنا ، فقال قائلون المراد بإضاعتها تركها بالكلية ، قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي ، واختاره ابن جرير ، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد ، وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة للحديث " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " والحديث الآخر " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " وليس هذا محل بسط هذه المسألة . وقال الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم بن مخيمرة في قوله { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ } قال أنما أضاعوا المواقيت ، ولو كان تركاً كان كفراً . وقال وكيع عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعد عن ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } الماعون 5 و { هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } المعارج 23 و { عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } المعارج 34 فقال ابن مسعود على مواقيتها . قالوا ما كنا نرى ذلك إلا على الترك ، قال ذلك الكفر ، قال مسروق لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين ، وفي إفراطهن الهلكة ، وإفراطهن إضاعتهن عن وقتهن ، وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد إن عمر بن عبد العزيز قرأ { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } ثم قال لم تكن إضاعتهم تركها ، ولكن أضاعوا الوقت ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } قال عند قيام الساعة وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينزو بعضهم على بعض في الأزقة ، وكذا روى ابن جريج عن مجاهد مثله ، وروى جابر الجعفي عن مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح أنهم من هذه الأمة ، يعنون في آخر الزمان . وقال ابن جرير حدثني الحارث ، حدثنا الحسن الأشيب ، حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ } قال هم في هذه الأمة يتراكبون تراكب الأنعام والحمر في الطرق ، لا يخافون الله في السماء ، ولا يستحيون من الناس في الأرض . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري ، حدثنا حيوة ، حدثنا بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " يكون خلف بعد ستين سنة ، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غياً ، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة مؤمن ، ومنافق ، وفاجر " وقال بشير قلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة ؟ قال المؤمن مؤمن به ، والمنافق كافر به . والفاجر يأكل به . وهكذا رواه أحمد عن أبي عبد الرحمن المقرىء به . وقال ابن أبي حاتم أيضاً حدثني أبي ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا عيسى بن يونس ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن وهب عن مالك عن أبي الرجال أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصفة ، وتقول لا تعطوا منه بربرياً ، ولا بربرية ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " هم الخلف الذين قال الله تعالى فيهم فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة " هذا الحديث غريب . وقال أيضاً حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن الضحاك ، حدثنا الوليد حَريز عن شيخ من أهل المدينة أنه سمع محمد بن كعب القرظي يقول في قول الله { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } الآية ، قال هم أهل الغرب ، يملكون ، وهم شر من ملك . وقال كعب الأحبار والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل شرّابين للقهوات ، ترّاكين للصّلوات ، لعّابين بالكعبات ، رقّادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، ترّاكين للجماعات ، قال ثم تلا هذه الآية { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } وقال الحسن البصري عطلوا المساجد ، ولزموا الضيعات . وقال أبو الأشهب العطاردي أوحى الله إلى داود عليه السلام يا داود حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات ، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها عني محجوبة ، وإن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوة من شهواته أن أحرمه من طاعتي . وقال الإمام أحمد حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا التميمي عن أبي قبيل أنه سمع عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أخاف على أمتي اثنتين القرآن ، واللبن " أما اللبن فيتبعون الرّيف ، ويتبعون الشهوات ، ويتركون الصلاة ، أما القرآن ، فيتعلمه المنافقون فيجادلون به المؤمنين ، ورواه عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة حدثنا أبو قبيل عن عقبة به ، مرفوعاً بنحوه ، تفرد به . وقوله { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } أي خسراناً ، وقال قتادة شراً ، وقال سفيان الثوري وشعبة ومحمد بن إسحاق عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } قال واد في جهنم بعيد القعر ، خبيث الطعم . وقال الأعمش عن زياد عن أبي عياض في قوله { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } قال واد في جهنم من قيح ودم . وقال الإمام أبو جعفر بن جرير حدثني عباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن زياد ، حدثنا شرقي بن قطامي عن لقمان بن عامر الخزاعي قال جئت أبا أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، فقلت حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بطعام ، ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ، ما بلغت قعرها خمسين خريفاً ، ثم تنتهي إلى غي وآثام " قال قلت ماغي وآثام ؟ قال قال " بئران في أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار " وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه { أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } وقوله في الفرقان { وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } الفرقان 68 هذا حديث غريب ، ورفعه منكر . وقوله { إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } أي إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات ، فإن الله يقبل توبته ويحسن عاقبته ، ويجعله من ورثة جنة النعيم ، ولهذا قال { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } وذلك لأن التوبة تجبّ ما قبلها ، وفي الحديث الآخر " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئاً ، ولا قوبلوا بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها لأن ذلك ذهب هدراً ، وترك نسياً ، وذهب مجاناً من كرم الكريم وحلم الحليم ، وهذا الاستثناء ههنا كقوله في سورة الفرقان { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } - إلى قوله - { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } الفرقان 68 - 70 .