Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 60-63)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى الجنات التي يدخلها التائبون من ذنوبهم هي جنات عدن ، أي إقامة التي وعد الرحمن عباده بظهر الغيب ، أي هي من الغيب الذي يؤمنون به وما رأوه ، وذلك لشدة إيقانهم وقوة إيمانهم . وقوله { إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } تأكيد لحصول ذلك وثبوته واستقراره ، فإن الله لا يخلف الميعاد ولا يبدله كقوله { بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } المزمل 18 أي كائناً لا محالة ، وقوله ههنا { مَأْتِيّاً } أي العباد صائرون إليه وسيأتونه ، ومنهم من قال { مَأْتِيّاً } بمعنى آتياً لأن كل ما أتاك فقد أتيته ، كما تقول العرب أتت علي خمسون سنة ، وأتيت على خمسين سنة ، كلاهما بمعنى واحد . وقوله { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } أي هذه الجنات ليس فيها كلام ساقط تافه لا معنى له كما قد يوجد في الدنيا . وقوله { إِلاَّ سَلَـٰماً } استثناء منقطع كقوله { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } الواقعة25 - 26 وقوله { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } أي في مثل وقت البكرات ووقت العشيات ، لا أن هناك ليلاً ونهاراً ، ولكنهم في أوقات تتعاقب يعرفون مضيها بأضواء وأنوار ، كما قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يتمخطون فيها ، ولايتغوطون ، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوّة ، ورشحهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان ، يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، يسبحون الله بكرة وعشياً " أخرجاه في " الصحيحين " من حديث معمر به . وقال الإمام أحمد حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي عن ابن إسحاق ، حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد الأنصاري ، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً " تفرد به أحمد من هذا الوجه . وقال الضحاك عن ابن عباس { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } قال مقادير الليل والنهار . وقال ابن جرير حدثنا علي بن سهم ، حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت زهير بن محمد عن قول الله تعالى { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } قال ليس في الجنة ليل ، هم في نور أبداً ، ولهم مقدار الليل والنهار ، ويعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وبفتح الأبواب ، وبهذا الإسناد عن الوليد بن مسلم عن خليد عن الحسن البصري ، وذكر أبواب الجنة فقال أبواب يرى ظاهرها من باطنها فتكلم وتكلم فَتُهمْهِم ، انفتحي انغلقي فتفعل ، وقال قتادة في قوله { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } فيها ساعتان بكرة ، وعشي ، ليس ثم ليل ولا نهار ، وإنما هو ضوء ونور ، وقال مجاهد ليس بكرة ولا عشي ، ولكن يؤتون به على ما كانوا يشتهون في الدنيا . وقال الحسن وقتادة وغيرهما كانت العرب الأنعم فيهم من يتغدى ويتعشى ، فنزل القرآن على ما في أنفسهم من النعيم ، فقال تعالى { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } وقال ابن مهدي عن حماد بن زيد عن هشام عن الحسن { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً } قال البكور يرد على العشي ، والعشي يرد على البكور ، ليس فيها ليل . وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا سليم ابن منصور بن عمار ، حدثني أبي ، حدثني محمد بن زياد قاضي أهل سَمْشَاط عن عبد الله بن جرير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من غداة من غدوات الجنة ، وكل الجنة غدوات ، إلا أنه يزف إلى ولي الله ، فيها زوجة من الحور العين أدناهن التي خلقت من الزعفران " قال أبو محمد هذا حديث غريب منكر . وقوله { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } أي هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة ، هي التي نورثها عبادنا المتقين ، وهم المطيعون لله عز وجل في السراء والضراء ، والكاظمون الغيظ ، والعافون عن الناس ، وكما قال تعالى في أول سورة المؤمنين { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } المؤمنون 1 - 2 إلى أن قال { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } المؤمنون 10 - 11 .