Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 108-108)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نهى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة ، عن كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء قبل كونها كما قال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ } المائدة 101 أي وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها ، تبين لكم ، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه ، فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة ، ولهذا جاء في الصحيح " إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم ، فحرم من أجل مسألته " ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً ، فإن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت على مثل ذلك ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ، ثم أنزل الله حكم الملاعنة ، ولهذا ثبت في الصحيحين ، من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال . وفي صحيح مسلم " ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بأمر ، فأتوا منه ما استطعتم ، وإن نهيتكم عن شيء ، فاجتنبوه " وهذا إنما قاله بعد ما أخبرهم أن الله كتب عليهم الحج ، فقال رجل أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ، ثم قال عليه السلام " لا ، ولو قلت نعم ، لوجبت ، ولو وجبت لما استطعتم " ، ثم قال " ذروني ما تركتكم " الحديث ، ولهذا قال أنس بن مالك نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع . وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب ، قال إن كان ليأتي عليّ السنة ، أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء ، فأتهيب منه ، وإن كنا لنتمنى الأعراب . وقال البزار أخبرنا محمد بن المثنى ، أخبرنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال ما رأيت قوماً خيراً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة ، كلها في القرآن { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } البقرة 219 و { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } البقرة 217 { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } البقرة 220 ، يعني هذا وأشباهه . وقوله تعالى { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } أي بل تريدون ، أو هي على بابها في الاستفهام ، وهو إنكاري ، وهو يعمّ المؤمنين والكافرين ، فإنه عليه السلام رسول الله إلى الجميع ، كما قال تعالى { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَـٰباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } النساء 153 ، قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس ، قال قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه ، وفجر لنا أنهاراً ، نتبعك ونصدقك ، فأنزل الله من قولهم { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَـٰنِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } . وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } قال قال رجل يا رسول الله لو كانت كفارتنا ككفارات بني إسرائيل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم لا نبغيها - ثلاثاً - ما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة ، وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها ، فإن كفرها كانت له خزياً في الدنيا ، وإن لم يكفرها كانت له خزياً في الآخرة ، فما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل " ، قال { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } النساء 110 ، وقال " الصلوات الخمس ومن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن " وقال " من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت سيئة واحدة ، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة ، وإن عملها كتبت له عشر أمثالها ، ولا يهلك على الله إلا هالك " ، فأنزل الله { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } ، وقال مجاهد { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } أن يريهم الله جهرة ، قال سألت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، قال " نعم ، وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل " ، فأبوا ورجعوا . وعن السدي وقتادة نحو هذا ، والله أعلم . والمراد أن الله ذم من سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء على وجه التعنت والاقتراح ، كما سألت بنو إسرائيل موسى عليه السلام تعنتاً وتكذيباً وعناداً . قال الله تعالى { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَـٰنِ } ، أي ومن يشتر الكفر بالإيمان { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي فقد خرج عن الطريق المستقيم إلى الجهل والضلال . وهكذا حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء ، واتباعهم والانقياد لهم إلى مخالفتهم وتكذيبهم ، والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها على وجه التعنت والكفر ، كما قال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } إبراهيم 28 - 29 ، وقال أبو العالية يتبدل الشدة بالرخاء .