Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 109-110)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب ، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر ، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين ، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم ، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو والاحتمال ، حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح ، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ويحثهم على ذلك ، ويرغبهم فيه ، كما قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب ، من أشد يهود للعرب حسداً ، إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم } الآية . وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، في قوله تعالى { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } قال هو كعب بن الأشرف ، وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك ، عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً ، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنزل الله { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم } إلى قوله { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ } ، وقال الضحاك عن ابن عباس أن رسولاً أمياً يخبرهم بما في أيديهم من الكتب والرسل والآيات ، ثم يصدق بذلك كله مثل تصديقهم ، ولكنهم جحدوا ذلك كفراً وحسداً وبغياً ، ولذلك قال الله تعالى { كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } يقول من بعد ما أضاء لهم الحق ، لم يجهلوا منه شيئاً ، ولكن الحسد حملهم على الجحود ، فعيرهم ووبخهم ولامهم أشد الملامة ، وشرع لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، ما هم عليه من التصديق والإيمان والإقرار بما أنزل الله عليهم ، وما أنزل من قبلهم ، بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته لهم ، وقال الربيع بن أنس { مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } من قبل أنفسهم . وقال أبو العالية { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ } من بعد ما تبين أن محمداً رسول الله ، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، فكفروا به حسداً وبغياً ، إذ كان من غيرهم ، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس . وقوله { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، مثل قوله تعالى { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } آل عمران 186 الآية ، قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، نسخ ذلك قوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 ، وقوله { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } التوبة 29 ، إلى قوله { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } التوبة 29 ، فنسخ هذا عفوه عن المشركين ، وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي إنها منسوخة بآية السيف ، ويرشد إلى ذلك أيضاً قوله تعالى { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب ، كما أمرهم الله ، ويصبرون على الأذى ، قال الله تعالى { فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول من العفو ما أمره الله به ، حتى أذن الله فيهم بالقتل ، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش ، وهذا إسناده صحيح ، ولم أره في شيء من الكتب الستة ، ولكن له أصل في الصحيحين عن أسامة بن زيد . وقوله تعالى { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } ، يحثهم تعالى على الاشتغال بما ينفعهم ، وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة ، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، حتى يمكن لهم الله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، { ٱيَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } غافر 52 ، ولهذا قال تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ، يعني أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل ، ولا يضيع لديه ، سواء كان خيراً أو شراً ، فإنه سيجازي كل عامل بعمله . وقال أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ، هذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين ، إنهم مهما فعلوا من خير أو شر ، سراً وعلانية ، فهو به بصير ، لا يخفى عليه منه شيء ، فيجزيهم بالإحسان خيراً ، وبالإساءة مثلها ، وهذا الكلام وإن كان قد خرج مخرج الخبر ، فإن فيه وعداً ووعيداً ، وأمراً وزجراً ، وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ، ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مذخوراً لهم عنده ، حتى يثيبهم عليه ، كما قال تعالى { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } ، وليحذروا معصيته ، قال وأما قوله { بَصِيرٌ } فإنه مبصر ، صرف إلى بصير ، كما صرف مبدع إلى بديع ، ومؤلم إلى أليم ، والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبو زرعة ، أخبرنا ابن بكير ، حدثني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية سميع بصير ، يقول " بكل شيء بصير " .