Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 111-113)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه ، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى ، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها ، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة ، أنهم قالوا { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } المائدة 18 فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم ، ولو كانوا كما ادعوا ، لما كان الأمر كذلك ، وكما تقدم من دعواهم ، أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة ، ثم ينتقلون إلى الجنة ، ورد عليهم تعالى في ذلك ، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة ، فقال { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } ، وقال أبو العالية أماني تمنوها على الله بغير حق ، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس . ثم قال تعالى { قُلْ } أي يا محمد { هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ } قال أبو العالية ومجاهد والسدي والربيع بن أنس حجتكم ، وقال قتادة بينتكم على ذلك { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، أي فيما تدعونه ، ثم قال تعالى { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } ، أي من أخلص العمل لله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ } آل عمران 20 الآية ، وقال أبو العالية والربيع { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } يقول من أخلص لله . وقال سعيد بن جبير { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ } أخلص { وَجْهَهُ } ، قال دينه { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فإن للعمل المتقبل شرطين أحدهما أن يكون صواباً خالصاً لله وحده ، والآخر أن يكون صواباً موافقاً للشريعة ، فمتى كان خالصاً ، ولم يكن صواباً ، لم يتقبل ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، رواه مسلم من حديث عائشة عنه عليه الصلاة والسلام ، فعمل الرهبان ومن شابههم ، وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله ، فإنه لا يتقبل منهم ، حتى يكون ذلك متابعاً للرسول صلى الله عليه وسلم المبعوث إليهم وإلى الناس كافة ، وفيهم وأمثالهم قال الله تعالى { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } الفرقان 23 وقال تعالى { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَـٰلُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } النور 39 ، وقال تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ } الغاشية 2 5 ، وروي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، أنه تأولها في الرهبان كما سيأتي ، وأما إن كان العمل موافقاً للشريعة ، في الصورة الظاهرة ، ولكن لم يخلص عامله القصد لله ، فهو أيضاً مردود على فاعله ، وهذا حال المرائين والمنافقين ، كما قال تعالى { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } النساء 142 ، وقال تعالى { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } الماعون 4 7 ولهذا قال تعالى { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا } الكهف 110 وقال في هذه الآية الكريمة { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } ، وقوله { فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور ، وآمنهم مما يخافونه من المحذور ، { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } فيما يستقبلونه ، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما مضى مما يتركونه ، كما قال سعيد بن جبير ، { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } يعني في الآخرة ، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } يعني لا يحزنون للموت . وقوله تعالى { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } ، بين به تعالى تناقضهم وتباغضهم ، وتعاديهم وتعاندهم ، كما قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال لما قدم أهل نجران من النصارى ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى وبالإنجيل ، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود ما أنتم على شيء ، وجحد نبوة موسى ، وكفر بالتوراة ، فأنزل الله في ذلك من قولهما { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } ، قال إن كلاً يتلو في كتابه تصديق من كفر به ، أي يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة ، فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى ، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى ، وما جاء من التوراة من عند الله ، وكل يكفر بما في يد صاحبه . وقال مجاهد في تفسير هذه الآية قد كانت أوائل اليهود والنصارى على شيء ، وقال قتادة { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْءٍ } قال بلى ، قد كانت أوائل النصارى على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا ، { وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْءٍ } قال بلى ، قد كانت أوائل اليهود على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا ، وعنه رواية أخرى كقول أبي العالية والربيع بن أنس في تفسير هذه الآية { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْءٍ } هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا القول يقتضي أن كلاً من الطائفتين صدقت فيما رمت به الطائفة الأخرى ، ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم فيما قالوه ، مع علمهم بخلاف ذلك ، ولهذا قال تعالى { وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } ، أي وهم يعلمون شريعة التوراة والإنجيل ، كل منهما قد كانت مشروعة في وقت ، ولكنهم تجاحدوا فيما بينهم عناداً وكفراً ومقابلة للفاسد بالفاسد ، كما تقدم عن ابن عباس ومجاهد وقتادة في الرواية الأولى عنه في تفسيرها ، والله أعلم ، وقوله { كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } ، بين بهذا جهل اليهود والنصارى فيما تقابلوا من القول ، وهذا من باب الإيماء والإشارة . وقد اختلف فيمن عنى بقوله تعالى { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } فقال الربيع بن أنس وقتادة { كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } قالا وقالت النصارى مثل قول اليهود وقيلهم ، وقال ابن جريج قلت لعطاء من هؤلاء الذين لا يعلمون ؟ قال أمم كانت قبل اليهود والنصارى ، وقبل التوراة والإنجيل ، وقال السدي كذلك { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ، فهم العرب ، قالوا ليس محمد على شيء ، واختار أبو جعفر بن جرير أنها عامة تصلح للجميع ، وليس ثم دليل قاطع يعين واحداً من هذه الأقوال ، والحمل على الجميع أولى ، والله أعلم . وقوله تعالى { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } ، أي إنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد ، ويفصل بينهم بقضائه العدل ، الذي لا يجور فيه ، ولا يظلم مثقال ذرة ، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحج { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِئِينَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } الحج 17 ، وكما قال تعالى { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ ِّ } سبأ 26 .