Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 174-176)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة ، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم ، وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم ، فخشوا لعنهم الله إن أظهروا ذلك ، أن يتبعه الناس ويتركوهم ، فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك ، وهو نزر يسير ، فباعوا أنفسهم بذلك ، واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول والإيمان بما جاء عن الله ، بذلك النزر اليسير ، فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فإن الله أظهر لعباده صدق رسوله بما نصبه وجعله معه من الآيات الظاهرات والدلائل القاطعات ، فصدقه الذين كانوا يخافون أن يتبعوه ، وصاورا عوناً له على قتالهم ، وباؤوا بغضب على غضب ، وذمهم الله في كتابه في غير موضع ، فمن ذلك هذه الآية الكريمة { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيًلا } وهو عرض الحياة الدنيا { أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ } أي إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق ، ناراً تأجج في بطونهم يوم القيامة ، كما قال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } النساء 10 وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم " وقوله { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وذلك لأنه تعالى غضبان عليهم لأنهم كتموا وقد علموا ، فاستحقوا الغضب ، فلا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، أي يثني عليهم ويمدحهم ، بل يعذبهم عذاباً أليماً ، وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه ، ههنا حديث الأعمش عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يكلمهم الله ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر " ثم قال تعالى مخبراً عنهم { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } أي اعتاضوا عن الهدى ، وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرسول وذكر مبعثه والبشارة به من كتب الأنبياء واتباعه وتصديقه ، استبدلوا عن ذلك ، واعتاضوا عنه الضلالة ، وهو تكذيبه والكفر به وكتمان صفاته في كتبهم { وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ } أي اعتاضوا عن المغفرة بالعذاب ، وهو ما تعاطوه من أسبابه المذكورة ، وقوله تعالى { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } يخبر تعالى أنهم في عذاب شديد عظيم هائل ، يتعجب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك مع شدة ما هم فيه من العذاب والنكال والأغلال ، عياذاً بالله من ذلك ، وقيل معنى قوله { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } أي فما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار ، وقوله تعالى { ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ } أي إنما استحقوا هذا العذاب الشديد لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل ، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزواً ، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره ، فخالفوه وكذبوه ، وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله تعالى ، ويأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، وهم يكذبونه ويخالفونه ، ويجحدونه ويكتمون صفته ، فاستهزؤا بآيات الله المنزلة على رسله ، فلهذا استحقوا العذاب والنكال ، ولهذا قال { ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَفِى شِقَاقٍ بَعِيدٍ }