Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-213)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو داود ، أخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال كان بين نوح وآدم عشرة قرون ، كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، قال وكذلك هي في قراءة عبد الله { كانَ الناسُ أمَّةً واحدةً فاخْتَلَفُوا } . ورواه الحاكم في مستدركه من حديث بندار عن محمد بن بشار ثم قال صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، كذا روى أبو جعفر الرازي عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة في قوله { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } قال كانوا على الهدى جميعاً ، { فاختلفوا ، فبعث الله النبيين } ، فكان أول من بعث نوحاً . وهكذا قال مجاهد ، كما قال ابن عباس أولاً . وقال العوفي عن ابن عباس { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } يقول كانوا كفاراً { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } والقول الأول عن ابن عباس أصح سنداً ومعنى ، لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام ، فبعث الله إليهم نوحاً عليه السلام ، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض . ولهذا قال تعالى { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } أي من بعد ما قامت الحجج عليهم ، وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في قوله { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ } الآية ، قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولاً الجنة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، فغداً لليهود ، وبعد غد للنصارى " ثم رواه عبد الرزاق عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة . وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه في قوله { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ } فاختلفوا في يوم الجمعة ، فاتخذ اليهود يوم السبت ، والنصارى يوم الأحد ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة ، واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، فهدى الله أمة محمد للقبلة ، واختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك ، واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم بعض النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في إبراهيم عليه السلام ، فقالت اليهود كان يهودياً ، وقالت النصارى كان نصرانياً ، وجعله الله حنيفاً مسلماً ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في عيسى عليه السلام ، فكذبت به اليهود ، وقالوا لأمه بهتاناً عظيماً ، وجعلته النصارى إلهاً وولداً ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك ، وقال الربيع بن أنس في قوله { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ } أي عند الاختلاف أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف ، أقاموا على الإخلاص لله عز وجل وحده ، وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف ، واعتزلوا الاختلاف ، وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة ، شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وآل فرعون أن رسلهم قد بلغوهم ، وأنهم قد كذبوا رسلهم ، وفي قراءة أبي بن كعب وليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . وكان أبو العالية يقول في هذه الآية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن . وقوله { بِإِذْنِهِ } أي بعلمه بهم ، وبما هداهم له ، قاله ابن جرير { وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ } أي من خلقه { إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي وله الحكمة والحجة البالغة ، وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول " اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " وفي الدعاء المأثور " اللهم أرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً ، وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل ، واجعلنا للمتقين إماماً " .