Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 234-234)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن ، أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال ، وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن ، وغير المدخول بهن ، بالإجماع ، ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة ، وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ، فمات عنها ، ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها ، فترددوا إليه مراراً في ذلك ، فقال أقول فيها برأيي ، فإن يك صواباً فمن الله ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه لها الصداق كاملاً ، وفي لفظ لها صداق مثلها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث ، فقام معقل بن يسار الأشجعي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق ، ففرح عبد الله بذلك فرحاً شديداً ، وفي رواية فقام رجال من أشجع فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق . ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها ، وهي حامل ، فإن عدتها بوضع الحمل ، ولو لم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } الطلاق 4 وكان ابن عباس يرى أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع ، أو أربعة أشهر وعشر للجمع بين الآيتين ، وهذا مأخذ جيد ومسلك قوي ، لولا ما ثبتت به السنة في حديث سبيعة الأسلمية المخرج في الصحيحين من غير وجه ، أنها توفي عنها زوجها سعد بن خولة وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، وفي رواية فوضعت حملها بعده بليال ، فلما تعلت من نفاسها ، تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك ، فقال لها ما لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح ؟ والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر . قالت سبيعة فلما قال لي ذلك ، جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي ، قال أبو عمر بن عبد البر وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث سبيعة ، يعني لما احتج عليه به ، قال ويصحح ذلك عنه ، أن أصحابه أفتوا بحديث سبيعة كما هو قول أهل العلم قاطبة . وكذلك يستثنى من ذلك الزوجة إذا كانت أمة ، فإن عدتها على النصف من عدة الحرة ، شهران وخمس ليال على قول الجمهور لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحد ، فكذلك فلتكن على النصف منها في العدة . ومن العلماء كمحمد بن سيرين وبعض الظاهرية من يسوي بين الزوجات الحرائر والإماء في هذا المقام لعموم الآية ، ولأن العدة من باب الأمور الجبلية التي تستوي فيها الخليقة ، وقد ذكر سعيد بن المسيب ، وأبو العالية ، وغيرهما ، أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ، لاحتمال اشتمال الرحم على حمل ، فإذا انتظر به هذه المدة ، ظهر إن كان موجوداً ، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح " فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر ، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور ، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه ، والله أعلم . قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة سألت سعيد بن المسيب ما بال العشر ؟ قال فيه ينفخ الروح ، وقال الربيع بن أنس قلت لأبي العالية لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة ؟ قال لأنه ينفخ فيه الروح ، رواهما ابن جرير ، ومن ههنا ذهب الإمام أحمد ، في رواية عنه ، إلى أن عدة أم الولد عدة الحرة ههنا ، لأنها صارت فراشاً كالحرائر ، وللحديث الذي رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة ابن ذؤيب ، عن عمرو بن العاص أنه قال لا تلبسوا علينا سنة نبينا ، عدة أم الولد ، إذا توفى عنها سيدها ، أربعة أشهر وعشرًا . ورواه أبو داود عن قتيبة ، عن غندر ، وعن ابن المثنى ، عن عبد الأعلى ، وابن ماجه عن علي بن محمد ، عن الربيع ، ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عروبة ، عن مطر الوراق ، عن رجاء بن حيوة ، عن قبيصة ، عن عمرو بن العاص ، فذكره . وقد روي عن الإمام أحمد أنه أنكر هذا الحديث ، وقيل إن قبيصة لم يسمع عمراً ، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفة من السلف ، منهم سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير ، والحسن وابن سيرين وأبو عياض والزهري وعمر بن عبد العزيز ، وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وهو أمير المؤمين ، وبه يقول الأوزاعي وإسحاق ابن راهويه وأحمد بن حنبل في رواية عنه ، وقال طاوس وقتادة عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها نصف عدة الحرة شهران وخمس ليال . وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري والحسن بن صالح بن حيي تعتد بثلاث حيض ، وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النخعي . وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه عدتها حيضة ، وبه يقول ابن عمر والشعبي ومكحول والليث وأبو عبيد وأبو ثور والجمهور ، وقال الليث ولو مات وهي حائض ، أجزأتها . وقال مالك فلو كانت ممن لا تحيض ، فثلاثة أشهر . وقال الشافعي والجمهور شهر ، وثلاثة أحب إليّ ، والله أعلم . وقوله { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِىۤ أَنفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } يستفاد من هذا وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها مدة عدتها لما ثبت في الصحيحين من غير وجه عن أم حبيبة وزينب بنت جحش أم المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " وفي الصحيحين أيضاً عن أم سلمة أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها أفنكحلها ؟ فقال " لا " كل ذلك يقول لا مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال " إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة " قالت زينب بنت أم سلمة كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها ، دخلت حفشاً ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة ، ثم تخرج ، فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير ، فتفتض به ، فقلما تفتض بشيء إلا مات . ومن ههنا ذهب كثيرون من العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة للآية التي بعدها ، وهي قوله { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا وَصِيَّةً لأَِزْوَاجِهِم مَّتَـٰعًا إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } البقرة 24 الآية ، كما قاله ابن عباس وغيره ، وفي هذا نظر كما سيأتي تقريره . والغرض أن الإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك ، وهو واجب في عدة الوفاة قولاً واحداً ، ولا يجب في عدة الرجعية قولاً واحداً ، وهل يجب في عدة البائن ؟ فيه قولان . ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء في ذلك الصغيرة والآيسة ، والحرة والأمة ، والمسلمة والكافرة لعموم الآية ، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا إحداد على الكافرة ، وبه يقول أشهب وابن نافع من أصحاب مالك ، وحجة قائل هذه المقالة قوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " قالوا فجعله تعبداً ، وألحق أبو حنيفة وأصحابه والثوري الصغيرة بها لعدم التكليف ، وألحق أبو حنيفة وأصحابه الأمة المسلمة لنقصها ، ومحل تقرير ذلك كله في كتب الأحكام والفروع ، والله الموفق للصواب . وقوله { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي انقضت عدتهن ، قاله الضحاك والربيع بن أنس ، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } قال الزهري أي على أوليائها . { فِيمَا فَعَلْنَ } يعني النساء اللاتي انقضت عدتهن ، قال العوفي عن ابن عباس إذا طلقت المرأة ، أو مات عنها زوجها ، فإذا انقضت عدتها ، فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف . وروي عن مقاتل بن حيان نحوه ، وقال ابن جريج عن مجاهد { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِىۤ أَنفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } قال النكاح الحلال الطيب ، وروي عن الحسن والزهري والسدي نحو ذلك .