Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 233-233)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة ، وهي سنتان ، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك ، ولهذا قال { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين ، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم . قال الترمذي باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة عن هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أم سلمة ، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي ، وكان قبل الفطام " هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين ، وما كان بعد الحولين الكاملين ، فإنه لا يحرم شيئاً ، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام ، وهي امرأة هشام بن عروة . قلت تفرد الترمذي برواية هذا الحديث ، ورجاله على شرط الصحيحين ، ومعنى قوله " إلا ما كان في الثدي " أي في محال الرضاعة قبل الحولين ، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن وكيع ، وغندر عن شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن ابني مات في الثدي ، إن له مرضعاً في الجنة " ، وهكذا أخرجه البخاري من حديث شعبة ، وإنما قال عليه السلام ذلك لأن ابنه إبراهيم عليه السلام ، مات وله سنة وعشرة أشهر ، فقال إن له مرضعاً ، يعني تكمل رضاعه ، ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق الهيثم بن جميل عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين " ثم قال ولم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ . قلت وقد رواه الإمام مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد ، عن ابن عباس مرفوعاً ، ورواه الدراوردي عن ثور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وزاد " وما كان بعد الحولين فليس بشيء " وهذا أصح . وقال أبو داود الطيالسي ، عن جابر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا رضاع بعد فصال ، ولا يتم بعد احتلام " وتمام الدلالة من هذا الحديث في قوله تعالى { وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي } لقمان 14 ، وقال { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا } الأحقاف 15 والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين ، يروى عن علي وابن عباس وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وابن عمر وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعطاء والجمهور ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبي يوسف ومحمد ومالك في رواية ، وعنه أن مدته سنتان وشهران ، وفي رواية وثلاثة أشهر . وقال أبو حنيفة سنتان وستة أشهر . وقال زفر بن الهذيل ما دام يرضع فإلى ثلاث سنين ، وهذا رواية عن الأوزاعي ، قال مالك ولو فطم الصبي دون الحولين ، فأرضعته امرأة بعد فصاله ، لم يحرم لأنه قد صار بمنزلة الطعام ، وهو رواية عن الأوزاعي ، وقد روي عن عمر وعلي أنهما قالا لا رضاع بعد فصال ، فيحتمل أنهما أرادا الحولين كقول الجمهور سواء فطم أو لم يفطم ، ويحتمل أنهما أرادا الفعل كقول مالك ، والله أعلم . وقد روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، أنها كانت ترى رضاع الكبير يؤثر في التحريم ، وهو قول عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد ، وكانت عائشة تأمر بمن تختار أن يدخل عليها من الرجال لبعض نسائها ، فترضعه ، وتحتج في ذلك بحديث سالم مولى أبي حذيفة ، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي حذيفة أن ترضعه ، وكان كبيراً ، فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة ، وأبى ذلك سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورأين ذلك من الخصائص ، وهو قول الجمهور ، وحجة الجمهور ، وهم الأئمة الأربعة ، والفقهاء السبعة ، والأكابر من الصحابة ، وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى عائشة ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة " وسيأتي الكلام على مسائل الرضاع وفيما يتعلق برضاع الكبير ، عند قوله تعالى { وَأُمَّهَـٰتُكُمُ الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ } النساء 23 . وقوله { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف ، أي بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا إقتار ، بحسب قدرته في يساره ، وتوسطه وإقتاره ، كما قال تعالى { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ ءَاتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } الطلاق 7 قال الضحاك إذا طلق زوجته ، وله منها ولد ، فأرضعت له ولده ، وجب على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف . وقوله { لاَ تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌ بِوَلَدِهَا } أي بأن تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته ، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تسقيه اللبن الذي لا يعيش بدون تناوله غالباً ، ثم بعد هذا لها دفعه عنها إذا شاءت ، ولكن إن كانت مضارة لأبيه ، فلا يحل لها ذلك ، كما لا يحل له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها ، ولهذا قال { وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ } أي بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضراراً بها ، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والزهري والسدي والثوري وابن زيد وغيرهم . وقوله تعالى { وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ } قيل في عدم الضرار لقربه ، قاله مجاهد والشعبي والضحاك ، وقيل عليه مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها ، وهو قول الجمهور ، وقد استقصى ذلك ابن جرير في تفسيره ، وقد استدل بذلك من ذهب من الحنفية والحنبلية إلى وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعض ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وجمهور السلف ، ويرجح ذلك بحديث الحسن عن سمرة مرفوعاً " من ملك ذا رحم محرم ، عتق عليه " وقد ذكر أن الرضاعة بعد الحولين ربما ضرت الولد إما في بدنه أو في عقله . وقال سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة أنه رأى امرأة ترضع بعد الحولين ، فقال لا ترضعيه . وقوله { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } أي فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين ، ورأيا في ذلك مصلحة له ، وتشاورا في ذلك وأجمعا عليه ، فلا جناح عليهما في ذلك ، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي ، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر ، قاله الثوري وغيره ، وهذا فيه احتياط للطفل وإلزام للنظر في أمره ، وهو من رحمة الله بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما ، وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه ، كما قال في سورة الطلاق { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَـأََتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } الطلاق 6 . وقوله تعالى { وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلَـٰدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ } أي إذا اتفقت الوالدة والوالد على أن يستلم منها الولد ، إما لعذر منها ، أو لعذر له ، فلا جناح عليهما في بذله ، ولا عليه في قبوله منها إذا سلمها أجرتها الماضية بالتي هي أحسن ، واسترضع لولده غيرها بالأجرة بالمعروف ، قاله غير واحد . وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي في جميع أحوالكم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم وأقوالكم .