Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 267-269)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق ، والمراد به الصدقة ههنا ، قاله ابن عباس ، من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها ، قال مجاهد يعني التجارة بتيسيره إياها لهم ، وقال علي والسدي { مِن طَيِّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ } يعني الذهب والفضة ، ومن الثمار والزروع التي أنبتها لهم من الأرض ، قال ابن عباس أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه ، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه ، وهو خبيثه ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، ولهذا قال { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } أي تقصدوا الخبيث { مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ } أي لو أعطيتموه ما أخذتموه ، إلا أن تتغاضوا فيه ، فالله أغنى عنه منكم ، فلا تجعلوا لله ما تكرهون ، وقيل معناه { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } أي لا تعدلوا عن المال الحلال وتقصدوا إلى الحرام فتجعلوا نفقتكم منه ، ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا إسحاق ، عن الصباح بن محمد عن مرة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكمم أرزاقكم ، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد ، حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه " قالوا وما بوائقه يا نبي الله ؟ قال " غشمه وظلمه ، ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيىء بالسيىء ، ولكن يمحو السيىء بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " والصحيح القول الأول ، قال ابن جرير رحمه الله حدثنا الحسين بن عمر العنقزي ، حدثني أبي عن أسباط عن السدي ، عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، في قول الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } الآية ، قال نزلت في الأنصار ، كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل ، أخرجت من حيطانها أقناء البسر ، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل فقراء المهاجرين منه ، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف ، فيدخله مع أقناء البسر ، يظن أن ذلك جائز ، فأنزل الله فيمن فعل ذلك { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } ، ثم رواه ابن جرير وابن ماجه وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه من طريق السدي ، عن عدي بن ثابت عن البراء بنحوه ، وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ولم يخرجاه . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل عن السدي عن أبي مالك عن البراء رضي الله عنه ، { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاَ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } قال نزلت فينا ، كنا أصحاب نخل ، فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته ، فيأتي الرجل بالقنو ، فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه فسقط منه البسر والتمر ، فيأكل ، وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص ، فيأتي بالقنو قد انكسر ، فيعلقه ، فنزلت { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاَ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } قال لو أن أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ، ما أخذه إلا على إغماض وحياء ، فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده . وكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن عبيد الله ، هو ابن موسى العبسي ، عن إسرائيل عن السدي ، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن ، عن أبي مالك الغفاري واسمه غزوان ، عن البراء ، فذكر نحوه ، ثم قال وهذا حديث حسن غريب ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا سليمان بن كثير ، عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لونين من التمر الجعرور والحبيق ، وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم ، ثم يخرجونها في الصدقة ، فنزلت { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } ورواه أبو داود من حديث سفيان بن حسين عن الزهري ، ثم قال أسنده أبو الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري ، ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة . وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق عبد الجليل بن حميد اليحصبي ، عن الزهري ، عن أبي أمامة ، ولم يقل عن أبيه ، فذكر نحوه . وكذا رواه ابن وهب ، عن عبد الجليل . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، حدثنا جرير عن عطاء بن السائب ، عن عبد الله بن معقل ، في هذه الآية { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } قال كسب المسلم لا يكون خبيثاً ، ولكن لا يصدق بالحشف والدرهم الزيف وما لا خير فيه . وقال الإمام أحمد حدثنا أبو سعيد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حماد ، هو ابن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب ، فلم يأكله ، ولم ينه عنه ، قلت يا رسول الله نطعمه المساكين ؟ قال " لا تطعموهم مما لا تأكلون " ثم رواه عن عفان عن حماد بن سلمة به فقلت يا رسول الله ألا أطعمه المساكين ؟ قال " لا تطعموهم مما لا تأكلون " وقال الثوري ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء { وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاَ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } يقول لو كان لرجل على رجل ، فأعطاه ذلك ، لم يأخذه ، إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه ، رواه ابن جرير . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس { وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلاَ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } يقول لو كان لكم على أحد حق ، فجاءكم بحق دون حقكم ، لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه ، قال فذلك قوله { إِلاَ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } فكيف ترضون لي ما لاترضون لأنفسكم ، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه ؟ رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، وزاد وهو قوله { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } آل عمران 92 . ثم روي عن طريق العوفي وغيره ، عن ابن عباس ، نحو ذلك ، وكذا ذكره غير واحد . وقوله { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها ، فهو غني عنها ، وما ذاك إلا أن يساوي الغني الفقير ، كقوله { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } الحج 37 وهو غني عن جميع خلقه ، وجميع خلقه فقراء إليه ، وهو واسع الفضل ، لا ينفد ما لديه ، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب ، فليعلم أن الله غني واسع العطاء ، كريم جواد ، وسيجزيه بها ، ويضاعفها له أضعافاً كثيرة ، " من يقرض غير عديم ولا ظلوم " ؟ وهو الحميد ، أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه . وقوله { ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ } قال ابن ابي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا هناد بن السري ، حدثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن مرة الهمداني ، عن عبد الله بن مسعود ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان ، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك ، فإيعاد بالخير والتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك ، فليعلم أنه من الله ، فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى ، فليتعوذ من الشيطان " ثم قرأ { ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً } الآية ، وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننهما جميعاً ، عن هناد بن السري . وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يعلى الموصلي ، عن هناد به ، وقال الترمذي حسن غريب ، وهو حديث أبي الأحوص ، يعني سلام بن سليم ، لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديثه ، كذا قال . وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله بن مسعود مرفوعاً نحوه ولكن رواه مسعر عن عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن ابن مسعود ، فجعله من قوله ، والله أعلم . ومعنى قوله تعالى { ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ } أي يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم ، فلا تنفقوه في مرضاة الله . { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } أي مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق ، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق ، قال تعالى { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ } أي في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء . { وَفَضْلاً } أي في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر { وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ } . وقوله { يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس يعني المعرفة بالقرآن ، ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً " الحكمة القرآن " يعني تفسيره ، قال ابن عباس فإنه قد قرأه البر والفاجر ، رواه ابن مردويه . وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد يعني بالحكمة الإصابة في القول . وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد { يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } ليست بالنبوة ، ولكنه العلم والفقه والقرآن . وقال أبو العالية الحكمة خشية الله ، فإن خشية الله رأس كل حكمة . وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن عثمان بن زفر الجهني ، عن أبي عمار الأسدي ، عن ابن مسعود مرفوعاً " رأس الحكمة مخافة الله " وقال أبو العالية في رواية عنه الحكمة الكتاب والفهم . وقال إبراهيم النخعي الحكمة الفهم ، وقال أبو مالك الحكمة السنة . وقال ابن وهب ، عن مالك ، قال زيد بن أسلم الحكمة العقل ، قال مالك وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله ، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله ، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلاً في أمر الدنيا إذا نظر فيها ، وتجد آخر ضعيفاً في أمر دنياه ، عالماً بأمر دينه ، بصيراً به ، يؤتيه الله إياه ، ويحرمه هذا ، فالحكمة الفقه في دين الله . وقال السدي الحكمة النبوة ، والصحيح أن الحكمة كما قال الجمهور لا تختص بالنبوة ، بل هي أعم منها ، وأعلاها النبوة ، والرسالة أخص ، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع ، كما جاء في بعض الأحاديث " من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه ، غير أنه لا يوحى إليه " رواه وكيع بن الجراح في تفسيره ، عن إسماعيل بن رافع ، عن رجل لم يسمه ، عن عبد الله بن عمر ، وقوله . وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع ويزيد ، قالا حدثنا إسماعيل ، يعني ابن أبي خالد ، عن قيس ، وهو ابن أبي حازم ، عن ابن مسعود ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول " لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً ، فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة ، فهو يقضي بها ويعلمها " وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد به . وقوله { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } أي وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل ، يعي به الخطاب ومعنى الكلام .