Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-50)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ، أي خلصتكم منهم ، وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلام ، وقد كانوا يسومونكم ، أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب ، وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته ، رأى ناراً خرجت من بيت المقدس ، فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر ، إلا بيوت بني إسرائيل ، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ، ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة ، وهكذا جاء في حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى ، فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل ، وأن تترك البنات ، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها ، ههنا فسر العذاب بذبح الأبناء ، وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } إبراهيم 6 وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة والمعونة والتأييد . ومعنى يسومونكم يولونكم ، قاله أبو عبيدة ، كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها ، قال عمرو بن كلثوم @ إذا ما المَلْكُ سامَ النَّاسَ خَسْفاً أَبَيْنا أَنْ نُقِرَّ الخَسْفَ فِيْنا @@ وقيل معناه يديمون عذابكم ، كما يقال سائمة الغنم ، من إدامتها الرعي ، نقله القرطبي ، وإنما قال ههنا { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } ليكون ذلك تفسيراً للنعمة عليهم في قوله { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } ثم فسره بهذا لقوله ههنا { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِىۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } البقرة 40 وأما في سورة إبراهيم ، فلما قال { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } إبراهيم 5 أي بأياديه ونعمه عليهم ، فناسب أن يقول هناك { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } إبراهيم 6 فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل . وفرعون علم على كل من ملك مصر كافراً ، من العماليق وغيرهم ، كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافراً ، وكسرى لمن ملك الفرس ، وتبع لمن ملك اليمن كافراً ، والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وبطليموس لمن ملك الهند ، ويقال كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام الوليد بن مصعب بن الريان ، وقيل مصعب بن الريان ، فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سام بن نوح ، وكنيته أبو مرة ، وأصله فارسي من إصطخر ، وأيّاً ما كان ، فعليه لعنة الله . وقوله تعالى { وَفِى ذَٰلِكُمْ بَلاَۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال ابن جرير وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آباءكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم ، أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى { بَلاَۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال نعمة ، وقال مجاهد { بَلاَۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } قال نعمة من ربكم عظيمة ، وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدي وغيرهم . وأصل البلاء الاختبار ، وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالى { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } الأنبياء 35 وقال { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الأعراف 168 قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء ، قال زهير بن أبي سلمى @ جَزَى اللّهُ بالإحسانِ ما فَعَلا بكم وأَبْلاهما خَيْرَ البلاءِ الذي يَبْلُو @@ قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده . وقيل المراد بقوله { وَفِى ذَٰلِكُمْ بَلاَۤءٌ } إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء ، قال القرطبي وهذا قول الجمهور ، ولفظه بعد ما حكى القول الأول ، ثم قال وقال الجمهور الإشارة إلى الذبح ونحوه ، والبلاء ههنا في الشر ، والمعنى في الذبح مكروه وامتحان . وقوله تعالى { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَـٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } ، معناه وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون ، وخرجتم مع موسى عليه السلام ، خرج فرعون في طلبكم ، ففرقنا بكم البحر كما أخبر تعالى عن ذلك مفصلاً كما سيأتي في مواضعه ، ومن أبسطها ما في سورة الشعراء إن شاء الله . { فَأَنجَيْنَـٰكُمْ } أي خلصناكم منهم ، وحجزنا بينكم وبينهم ، وأغرقناهم وأنتم تنظرون ، ليكون ذلك أشفى لصدوركم ، وأبلغ في إهانة عدوكم . قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله تعالى { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } - إلى قوله - { وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } ، قال لما خرج موسى ببني إسرائيل ، بلغ ذلك فرعون ، فقال لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة ، قال فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا ، فدعا بشاة فذبحت ، ثم قال لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط ، فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط ، فلما أتى موسى البحر ، قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون أين أمر ربك ؟ قال أمامك ، يشير إلى البحر ، فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر ، فذهب به الغمر ، ثم رجع فقال أين أمر ربك يا موسى ؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت ، فعل ذلك ثلاث مرات ، ثم أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانقلق ، فكان كل فرق كالطود العظيم يقول مثل الجبل ، ثم سار موسى ومن معه ، واتبعهم فرعون في طريقهم ، حتى إذا تتاموا فيه ، أطبقه الله عليهم ، فلذلك قال { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } وكذلك قال غير واحد من السلف كما سيأتي بيانه في موضعه ، وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء ، كما قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس ، قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فقال " ما هذا اليوم الذي تصومون ؟ " قالوا هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى عليه السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أحق بموسى منكم " فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه ، وروى هذا الحديث البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق عن أيوب السختياني به نحو ما تقدم ، وقال أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو الربيع حدثنا سلام ، يعني ابن سليم ، عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء " وهذا ضعيف من هذا الوجه ، فإن زيداً العمي فيه ضعف ، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه .