Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 61-61)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى طعاماً طيباً نافعاً هنيئاً سهلاً ، واذكروا دبركم وضجركم مما رزقناكم ، وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيئة ، من البقول ونحوها مما سألتم . قال الحسن البصري فبطروا ذلك ، فلم يصبروا عليه ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه ، وكانوا قوماً أهل أعداس وبصل وبقول وفوم ، فقالوا { يَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَٰحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا } وإنما قالوا على طعام واحد ، وهم يأكلون المن والسلوى لأنه لا يتبدل ولا يتغير كل يوم ، فهو مأكل واحد فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة ، وأما الفوم ، فقد اختلف السلف في معناه ، فوقع في قراءة ابن مسعود وثومها ، بالثاء ، وكذا فسره مجاهد ، في رواية ليث بن أبي سليم عنه ، بالثوم . وكذا الربيع بن أنس وسعيد بن جبير ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن رافع ، حدثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحاق البصري عن يونس ، عن الحسن ، في قوله { وَفُومِهَا } قال قال ابن عباس الثوم ، قال وفي اللغة القديمة فوموا لنا بمعنى اختبزوا ، قال ابن جرير فإن كان ذلك صحيحاً ، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم وقعوا في عاثور شر وعافور شر ، وأثافي وأثاثي ، ومغافير ومغاثير ، وأشباه ذلك مما تقلب الفاء ثاء ، والثاء فاء لتقارب مخرجيهما ، والله أعلم . وقال آخرون الفوم الحنطة ، وهو البر الذي يعمل منه الخبز . قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب قراءة ، حدثني نافع بن أبي نعيم أن ابن عباس سُئل عن قول الله { وَفُومِهَا } مافومها ؟ قال الحنطة . قال ابن عباس أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح ، وهو يقول @ قد كنتُ أَغْنَى الناس شَخْصاً واحداً وَرَدَ المدينةَ عن زراعةِ فومِ @@ وقال ابن جرير حدثنا علي بن الحسن ، حدثنا مسلم الجهني ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن رشيد بن كريب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى { وَفُومِهَا } قال الفوم الحنطة بلسان بني هاشم ، وكذا قال علي بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس وعكرمة عن ابن عباس إن الفوم الحنطة ، وقال سفيان الثوري عن ابن جريج عن مجاهد وعطاء { وَفُومِهَا } قالا وخبزها ، وقال هشيم عن يونس عن الحسين وحصين عن أبي مالك { وَفُومِهَا } قال الحنطة ، وهو قول عكرمة والسدي والحسن البصري وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم ، فالله أعلم . وقال الجوهري الفوم الحنطة ، وقال ابن دريد الفوم السنبلة ، وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة أن الفوم كل حب يختبز . قال وقال بعضهم هو الحمص ، لغة شامية ، ومنه يقال لبائعه فامي ، مغير عن فومي ، قال البخاري وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها فوم ، وقوله تعالى { قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ } فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنيئة ، مع ما هم فيه من العيش الرغيد والطعام الهنيء الطيب النافع . وقوله تعالى { ٱهْبِطُواْ مِصْرًا } هكذا هو منون مصروف ، مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية ، وهو قراءة الجمهور بالصرف . وقال ابن جرير ولا أستجيز القراءة بغير ذلك لإجماع المصاحف على ذلك . وقال ابن عباس { ٱهْبِطُواْ مِصْرًا } قال مصر من الأمصار ، رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد البقال سعيد بن المرزبان عن عكرمة عنه قال وروي عن السدي وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك ، وقال ابن جرير وقع في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود { واهبطوا مصر } من غير إجراء ، يعني من غير صرف ، ثم روي عن أبي العالية والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون ، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية والربيع وعن الأعمش أيضاً . قال ابن جرير ويحتمل أن يكون المراد مصر فرعون على قراءة الإجراء أيضاً . ويكون ذلك من باب الإتباع لكتابة المصحف كما في قوله تعالى { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ } الإنسان 15 - 16 ثم توقف في المراد ما هو ؟ أمصر فرعون ، أم مصر من الأمصار ؟ وهذا الذي قاله فيه نظر ، والحق أن المراد مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره ، والمعنى على ذلك لأن موسى عليه السلام يقول لهم هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز ، بل هو كثير في أي بلد دخلتموها وجدتموه ، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه . ولهذا قال { أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ } أي ما طلبتم ، ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ، ولا ضرورة فيه ، لم يجابوا إليه ، والله أعلم . { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } يقول تعالى { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } أي وضعت عليهم ، وألزموا بها شرعاً وقدراً ، أي لا يزالون مستذلين ، من وجدهم استذلهم وأهانهم ، وضرب عليهم الصغار ، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء مستكينون . قال الضحاك ، عن ابن عباس { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } قال هم أصحاب القبالات ، يعني الجزية . وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن ، وقتادة في قوله تعالى { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ } قال يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقال الضحاك وضربت عليه الذلة ، قال الذل . وقال الحسن أذلهم الله ، فلا منعة لهم ، وجعلهم تحت أقدام المسلمين ، ولقد أدركتهم هذه الأمة ، وإن المجوس لتجبيهم الجزية ، وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي المسكنة الفاقة ، وقال عطية العوفي الخراج ، وقال الضحاك الجزية ، وقوله تعالى { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } قال الضحاك استحقوا الغضب من الله ، وقال الربيع بن أنس فحدث عليهم غضب من الله ، وقال سعيد بن جبير { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } يقول استوجبوا سخطاً ، وقال ابن جرير يعني بقوله { وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } انصرفوا ورجعوا ، ولا يقال باء إلا موصولاً ، إما بخير ، وإما بشر ، يقال منه باء فلان بذنبه يبوء به بوءاً وبواء ، ومنه قوله تعالى { إِنِّىۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ } المائدة 29 يعني تنصرف متحملهما ، وترجع بهما قد صارا عليك دوني . فمعنى الكلام إذا رجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم من الله سخط . وقوله تعالى { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } يقول تعالى هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة ، وإحلال الغضب بهم من الذلة ، بسبب استكبارهم عن اتباع الحق وكفرهم بآيات الله ، وإهانتهم حملة الشرع ، وهم الأنبياء وأتباعهم ، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم ، فلا كفر أعظم من هذا ، إنهم كفروا بآيات الله ، وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ، ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الكبر بطر الحق وغمط الناس " وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن عمرو بن سعيد ، عن حميد بن عبد الرحمن ، قال قال ابن مسعود كنت لا أحجب عن النجوى ، ولا عن كذا ولا عن كذا ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي ، فأدركته من آخر حديثه وهو يقول يا رسول الله قد قسم لي من الجمال ما ترى ، فما أحب أن أحداً من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما ، أليس ذلك هو البغي ؟ فقال " لا ، ليس ذلك من البغي ، ولكن البغي من بطر ، أو قال سفه الحق وغمط الناس " يعني رد الحق ، وانتقاص الناس ، والازدراء بهم ، والتعاظم عليهم ، ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله ، وقتلهم أنبياءه ، أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد ، وكساهم ذلاً في الدنيا موصولاً بذل الآخرة جزاء وفاقاً ، قال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود ، قال كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ، ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار ، وقد قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبان ، حدثنا عاصم ، عن أبي وائل عن عبد الله ، يعني ابن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبياً ، وإمام ضلالة ، وممثل من الممثلين " وقوله تعالى { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به أنهم كانوا يعصون ويعتدون ، فالعصيان فعل المناهي ، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه والمأمور به ، والله أعلم .