Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 8-9)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر ، وهو أنواع اعتقادي ، وهو الذي يخلد صاحبه في النار . وعملي ، وهو من أكبر الذنوب كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى ، وهذا كما قال ابن جريج المنافق يخالف قوله فعله ، وسره علانيته ، ومدخله مخرجه ، ومشهده مغيبه ، وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق ، بل كان خلافه ، من الناس من كان يظهر الكفر مستكرهاً ، وهو في الباطن مؤمن ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج ، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب ، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم ، وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع حلفاء الخزرج ، وبنو النضير ، وبنو قريظة حلفاء الأوس ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج ، وقلّ من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ، ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضاً لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف ، بل قد كان عليه الصلاة والسلام وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة ، فلما كانت وقعة بدر العظمى ، وأظهر الله كلمته ، وأعز الإسلام وأهله ، قال عبد الله بن أبي بن سلول ، وكان رأساً في المدينة ، وهو من الخزرج ، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية ، وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم ، فجاءهم الخير وأسلموا ، واشتغلوا عنه ، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله ، فلما كانت وقعة بدر قال هذا أمر قد توجه ، فأظهر الدخول في الإسلام ، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته ، وآخرون من أهل الكتاب ، فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب ، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد نافق لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرهاً ، بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة . قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة ، أو سعيد بن جبير عن ابن عباس { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم . وكذا فسرها بالمنافقين من الأوس والخزرج أبو العالية والحسن وقتادة والسدي ، ولهذا نبه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون ، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ومن اعتقاد إيمانهم ، وهم كفار في نفس الأمر ، وهذا من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خير ، فقال تعالى { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } أي يقولون ذلك قولاً ليس وراءه شيء آخر ، كما قال تعالى { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } المنافقون 1 أي إنما يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط ، لا في نفس الأمر ، ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها . أكدوا أمرهم قالوا آمنا بالله وباليوم الآخر ، وليس الأمر كذلك كما كذبهم الله في شهادتهم وفي خبرهم ، هذا بالنسبة إلى اعتقادهم بقوله تعالى { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَاذِبُونَ } المنافقون 1 وبقوله { وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } . وقوله تعالى { يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا } أي بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك ، وأن ذلك نافعهم عنده ، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين كما قال تعالى { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } المجادلة 18 ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله { وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } يقول وما يغرون بصنيعهم هذا ، ولا يخدعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون بذلك من أنفسهم ، كما قال تعالى { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } النساء 142 ومن القراء من قرأ { وَمَا يُخـٰدِعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم } وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد . قال ابن جرير فإن قال قائل كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعاً ، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية ؟ قيل لا تمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي في ضميره تقية لينجو مما هو له خائف مخادعاً ، فكذلك المنافق ، سمي مخادعاً لله وللمؤمنين بإظهاره ما ظهر بلسانه تقية بما يخلص به من القتل والسبي والعذاب العاجل ، وهو لغير ما أظهره مستبطن ، وذلك من فعله ، وإن كان خداعاً للمؤمنين في عاجل الدنيا ، فهو لنفسه بذلك من فعله خادع ، لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها ويسقيها كأس سرورها ، وهو موردها حياض عطبها ، ومجرعها به كأس عذابها ، ومذيقها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به ، فذلك خديعته نفسه ظناً منه مع إساءته إليها في أمر معادها أنه إليها محسن ، كما قال تعالى { وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } إعلاماً منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم عليها ربهم بكفرهم وشكهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين ، ولكنهم على عمى أمرهم مقيمون . وقال ابن أبي حاتم أنبأنا علي بن المبارك فيما كتب إليّ حدثنا زيد بن المبارك حدثنا محمد بن ثور عن ابن جريج في قوله تعالى يخادعون الله ، قال يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم ، وفي أنفسهم غير ذلك . وقال سعيد عن قتادة { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } نعت المنافق عند كثير خنع الأخلاق ، يصدق بلسانه ، وينكر بقلبه ، ويخالف بعمله ، ويصبح على حال ، ويمسي على غيره ، ويمسي على حال ، ويصبح على غيره ، ويتكفأ تكفؤَ السفينة ، كلما هبت ريح هبت معها .