Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-8)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته . وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسين بن محمد بن شيبة الواسطي ، حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - أنبأنا إسرائيل عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال طه يا رجل ، وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن كعب وأبي مالك وعطية العوفي والحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن أبزى أنهم قالوا طه بمعنى يا رجل … وفي رواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والثوري أنها كلمة بالنبطية معناها يا رجل . وقال أبو صالح هي معربة . وأسند القاضي عياض في كتابه " الشفاء " من طريق عبد بن حميد في تفسيره حدثنا هاشم بن القاسم عن ابن جعفر عن الربيع بن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ، قام على رجل ، ورفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى { طه } يعني طأ الأرض يا محمد { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ } ثم قال ولا يخفى بما في هذا الإكرام وحسن المعاملة . وقوله { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ } قال جويبر عن الضحاك لما أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم قام به هو وأصحابه ، فقال المشركون من قريش ما أنزل هذا القرآن على محمد إلا ليشقى ، فأنزل الله تعالى { طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } فليس الأمر كما زعمه المبطلون ، بل من آتاه الله العلم ، فقد أراد به خيراً كثيراً ، كما ثبت في " الصحيحين " عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " . وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في ذلك حيث قال حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا العلاء بن سالم ، حدثنا إبراهيم الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك عن سفيان عن سماك بن حرب ، عن ثعلبة بن الحكم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالي " إسناده جيد ، وثعلبة بن الحكم هذا هو الليثي ، ذكره أبو عمر في استيعابه ، وقال نزل البصرة ، ثم تحول إلى الكوفة ، وروى عنه سماك بن حرب . وقال مجاهد في قوله { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ } هي كقوله { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } المزمل 20 وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة . وقال قتادة { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰ } لا والله ما جعله شقاء ، ولكن جعله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } إن الله أنزل كتابه وبعث رسوله رحمة رحم بها عباده ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه . وقوله { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَـٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } أي هذا القرآن الذي جاءك يا محمد هو تنزيل من ربك ، رب كل شيء ومليكه ، القادر على ما يشاء ، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها ، وخلق السموات العلى في ارتفاعها ولطافتها ، وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي وغيره أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ، وقد أورد ابن أبي حاتم ههنا حديث الأوعال من رواية العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه . وقوله { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته أيضاً ، وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل . وقوله { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } أي الجميع ملكه ، وفي قبضته ، وتحت تصرفه ومشيئته وإرادته وحكمه ، وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه ، لا إله سواه ، ولا رب غيره . وقوله { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } قال محمد بن كعب أي ما تحت الأرض السابعة . وقال الأوزاعي إن يحيى بن أبي كثير حدثه أن كعباً سئل ، فقيل له ما تحت هذه الأرض ؟ فقال الماء . قيل وما تحت الماء ؟ قال الأرض . قيل وما تحت الأرض ؟ قال الماء قيل وما تحت الماء ؟ قال الأرض . قيل وما تحت الأرض ؟ قال الماء ، قيل وما تحت الماء ؟ قال الأرض ، قيل وما تحت الأرض ؟ قال الماء ، قيل وما تحت الماء ؟ قال الأرض ، قيل وما تحت الأرض ؟ قال الصخرة ، قيل وما تحت الصخرة ؟ قال ملك ، قيل وما تحت الملك ؟ قال حوت معلق طرفاه بالعرش ، قيل وما تحت الحوت ؟ قال الهواء والظلمة ، وانقطع العلم . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا عبد الله بن عياش ، حدثنا عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ، والعليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء ، والحوت على صخرة ، والصخرة بيد الملك ، والثانية سجن الريح ، والثالثة فيها حجارة جهنم ، والرابعة فيها كبريت جهنم ، والخامسة فيها حيات جهنم ، والسادسة فيها عقارب جهنم ، والسابعة فيها سقر ، وفيها إبليس مصفد بالحديد ، يد أمامه ويد خلفه ، فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه " وهذا حديث غريب جداً ، ورفعه فيه نظر . وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده حدثنا أبو موسى الهروي عن العباس بن الفضل قال قلت ابن الفضل الأنصاري ؟ قال نعم ، عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فأقبلنا راجعين في حر شديد ، فنحن متفرقون بين واحد واثنين منتشرين ، قال وكنت في أول العسكر ، إذا عارضنا رجل فسلم ، ثم قال أيكم محمد ؟ ومضى أصحابي ، ووقفت معه ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر مقنع بثوبه على رأسه من الشمس ، فقلت أيها السائل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتاك ، فقال أيهم هو ؟ فقلت صاحب البكر الأحمر ، فدنا منه ، فأخذ بخطام راحلته ، فكف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنت محمد ؟ قال " نعم " قال إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سل عما شئت " قال يا محمد أينام النبي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تنام عيناه ولا ينام قلبه " قال صدقت ، ثم قال يا محمد من أين يشبه الولد أباه وأمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأي الماءين غلب على الآخر نزع الولد " فقال صدقت ، فقال ما للرجل من الولد ، وما للمرأة منه ؟ فقال " للرجل العظام والعروق والعصب ، وللمرأة اللحم والدم والشعر " قال صدقت ، ثم قال يا محمد ما تحت هذه ؟ - يعني الأرض - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلق " فقال فما تحتهم ؟ قال " أرض " قال فما تحت الأرض ؟ قال " الماء " قال فما تحت الماء ؟ قال " ظلمة " قال فما تحت الظلمة ؟ قال " الهواء " قال فما تحت الهواء ؟ قال " الثرى " قال فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، وقال " انقطع علم الخلق عند علم الخالق ، أيها السائل ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " قال فقال صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس هل تدرون من هذا ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . قال " هذا جبريل عليه السلام " هذا حديث غريب جداً ، وسياق عجيب ، تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا ، وقد قال فيه يحيى بن معين ليس يساوي شيئاً ، وضعفه أبو حاتم الرازي ، وقال ابن عدي لا يعرف . قلت وقد خلط في هذا الحديث ، ودخل عليه شيء في شيء ، وحديث في حديث ، وقد يحتمل أنه تعمد ذلك ، أو أدخل عليه فيه ، والله أعلم . وقوله { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } أي أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسموات العلى الذي يعلم السر وأخفى ، كما قال تعالى { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِى يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } الفرقان 6 قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } قال السر ما أسره ابن آدم في نفسه { وَأَخْفَى } ما أخفي على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه ، فالله يعلم ذلك كله ، فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد ، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة ، وهو قوله { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَٰحِدَةٍ } لقمان 28 وقال الضحاك { يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } قال السر ما تحدث به نفسك ، وأخفى ما لم تحدث به نفسك بعد . وقال سعيد بن جبير أنت تعلم ما تسر اليوم ، ولا تعلم ما تسر غداً ، والله يعلم ما تسر اليوم ، وما تسر غداً ، وقال مجاهد { وَأَخْفَى } يعني الوسوسة ، وقال أيضاً هو وسعيد بن جبير { وَأَخْفَى } أي ما هو عالمه مما لم يحدث به نفسه . وقوله { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي الذي أنزل عليك القرآن ، هو الله الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة الأعراف ، ولله الحمد والمنة .