Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 83-89)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون { فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَـٰطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأعراف 138 - 139 وواعده ربه ثلاثين ليلة ، ثم أتبعها له عشراً ، فتمت أربعين ليلة ، أي يصومها ليلاً ونهاراً ، وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك ، فسارع موسى عليه السلام مبادراً إلى الطور ، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون ، ولهذا قال تعالى { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } أي قادمون ينزلون قريباً من الطور ، { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } أي لتزداد عني رضا { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِىُّ } أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري . وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضاً ، وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى { وَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَىْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } الأعراف 145 أي عاقبة الخارجين عن طاعتي ، المخالفين لأمري . وقوله { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفاً } أي بعدما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم ، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم ، وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم ، وفيها شرف لهم ، وهم قوم قد عبدوا غير الله ، ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه ، وسخافة عقولهم وأذهانهم ، ولهذا قال رجع إليهم غضبان أسفاً ، والأسف شدة الغضب . وقال مجاهد غضبان أسفاً ، أي جزعاً ، وقال قتادة والسدي أسفاً حزيناً على ما صنع قومه من بعده { قَالَ يَٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة ، كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم ، وإظهاركم عليه ، وغير ذلك من أيادي الله { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } أي في انتظار ما وعدكم الله ، ونسيان ما سلف من نعمه ، وما بالعهد من قدم ، { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أم ههنا بمعنى بل ، وهي للإضراب عن الكلام الأول ، وعدول إلى الثاني ، كأنه يقول بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم ، فأخلفتم موعدي ، قالوا ، أي بنو إسرائيل في جواب ما أنبهم موسى وقرعهم { مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } أي عن قدرتنا واختيارنا ، ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد ، يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر ، فقذفناها ، أي ألقيناها عنا . وقد تقدم في حديث الفتون أن هارون عليه السلام هو الذي كان أمرهم بإلقاء الحلي في حفرة فيها نار ، وهي في رواية السدي عن أبي مالك عن ابن عباس ، إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفيرة ، ويجعل حجراً واحداً ، حتى إذا رجع موسى عليه السلام ، رأى فيه ما يشاء ، ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول ، وسأل من هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته ، فدعا له هارون ، وهو لا يعلم ما يريد ، فأجيب له ، فقال السامري عند ذلك أسأل الله أن يكون عجلاً ، فكان عجلاً له خوار ، أي صوت ، استدراجاً ، وإمهالاً ومحنة واختباراً ، ولهذا قال { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِىُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } . وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبادة بن البختري حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو ينحت العجل ، فقال له ما تصنع ؟ فقال أصنع ما يضر ولا ينفع ، فقال هارون اللهم أعطه ما سأل على ما في نفسه ، ومضى هارون . وقال السامري اللهم إني أسألك أن يخور ، فخار ، فكان إذا خار سجدوا له ، وإذا خار رفعوا رؤوسهم . ثم رواه من وجه آخر عن حماد وقال أعمل ما ينفع ولا يضر . وقال السدي كان يخور ويمشي ، فقالوا ، أي الضّلاَّل منهم الذين افتتنوا بالعجل وعبدوه { هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِىَ } أي نسيه ههنا ، وذهب يتطلبه ، كذا تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقال سماك عن عكرمة عن ابن عباس { فَنَسِىَ } ، أي نسي أن يذكركم أن هذا إلهكم ، وقال محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فقالوا { هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } قال فعكفوا عليه ، وأحبوه حباً لم يحبوا شيئاً قط ، يعني مثله ، يقول الله { فَنَسِىَ } أي ترك ما كان عليه من الإسلام ، يعني السامري . قال الله تعالى رداً عليهم وتقريعاً لهم وبياناً لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } أي العجل ، أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه ولا إذا خاطبوه ، { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } ، أي في دنياهم ، ولا في أخراهم . قال ابن عباس رضي الله عنهما لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريح في دبره ، فيخرج من فمه ، فيسمع له صوت ، وقد تقدم في حديث الفتون عن الحسن البصري أن هذا العجل اسمه بهموت ، وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط ، فألقوها عنهم ، وعبدوا العجل ، فتورعوا عن الحقير ، وفعلوا الأمر الكبير كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب ، يعني هل يصلي فيه أم لا ؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما انظروا إلى أهل العراق ، قتلوا ابن بنت رسول الله يعني الحسين ، وهم يسألون عن دم البعوض .