Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 51-56)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه آتاه رشده من قبل ، أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه ، كما قال تعالى { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } الأنعام 83 وما يذكر من الأخبار عنه في إدخال أبيه له في السرب وهو رضيع ، وأنه خرج بعد أيام ، فنظر إلى الكوكب والمخلوقات ، فتبصر فيها ، وما قصه كثير من المفسرين وغيرهم ، فعامتها أحاديث بني إسرائيل ، فما وافق منها الحق ، مما بأيدينا عن المعصوم ، قبلناه لموافقته الصحيح ، وما خالف شيئاً من ذلك ، رددناه ، وما ليس فيه موافقة ولا مخالفة ، لا نصدقه ولا نكذبه ، بل نجعله وقفاً ، وما كان من هذا الضرب منها ، فقد رخص كثير من السلف في روايته ، وكثير من ذلك مما لا فائدة فيه ولا حاصل له مما لا ينتفع به في الدين ، ولو كانت فائدته تعود على المكلفين في دينهم ، لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة ، والذي نسلكه في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية لما فيها من تضييع الزمان ، ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم ، فإنهم لا تفرقة عندهم بين صحيحها وسقيمها ، كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة . والمقصود ههنا أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل ، أي من قبل ذلك . وقوله { وَكُنَّا بِهِ عَـٰلِمِينَ } أي وكان أهلاً لذلك ، ثم قال { إِذْ قَالَ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَـٰثِيلُ ٱلَّتِىۤ أَنتُمْ لَهَا عَـٰكِفُونَ } هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله عز وجل ، فقال { مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَـٰثِيلُ ٱلَّتِىۤ أَنتُمْ لَهَا عَـٰكِفُونَ } أي معتكفون على عبادتها . وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد الصباح ، حدثنا أبو معاوية الضرير ، حدثنا سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال مر علي رضي الله عنه على قوم يلعبون بالشطرنج ، فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفأ خير له من أن يمسها . { قَالُواْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَـٰبِدِينَ } لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال ، ولهذا قال { لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم ، فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم ، فلما سفه أحلامهم ، وضلل آباءهم ، واحتقر آلهتهم ، { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللَّـٰعِبِينَ } يقولون هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعباً ، أم محقاً فيه ؟ فإنا لم نسمع به قبلك { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِى فطَرَهُنَّ } أي ربكم الذي لا إله غيره ، وهو الذي خلق السموات والأرض وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن ، وهو الخالق لجميع الأشياء { وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره ولا رب سواه .