Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 35-40)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى متوعداً من كذب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من مشركي قومه ومن خالفه ، ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه ، مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله ، فبدأ بذكر موسى عليه السلام ، وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيراً ، أي نبياً مؤازراً ، ومؤيداً وناصراً ، فكذبهما فرعون وجنوده ، فـ { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَٰلُهَا } محمد 10 وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحاً عليه السلام ، ومن كذب برسول ، فقد كذب بجميع الرسل ، إذ لا فرق بين رسول ورسول ، ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول ، فإنهم كانوا يكذبون ، ولهذا قال تعالى { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط ، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل ، ويحذرهم نقمه ، { وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } هود 40 ولهذا أغرقهم الله جميعاً ، ولم يبق منهم أحداً ، ولم يترك من بني آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط { وَجَعَلْنَـٰهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً } أي عبرة يعتبرون بها كما قال تعالى { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ } الحاقة 11 ــــ 12 أي وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم في إنجائكم من الغرق ، وجعلكم من ذرية من آمن به ، وصدق أمره . وقوله تعالى { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَـٰبَ ٱلرَّسِّ } قد تقدم الكلام على قصتيهما في غير ما سورة كسورة الأعراف بما أغنى عن الإعادة . وأما أصحاب الرس ، فقال ابن جريج عن ابن عباس هم أهل قرية من قرى ثمود . وقال ابن جريج قال عكرمة أصحاب الرس بفلج ، وهم أصحاب يس . وقال قتادة فلج من قرى اليمامة . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم ، حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر ، حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله { وَأَصْحَـٰبَ ٱلرَّسِّ } قال بئر بأذربيجان . وقال الثوري عن أبي بكير ، عن عكرمة الرس بئر رسوا فيها نبيهم ، أي دفنوه بها . وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود ، وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قرية ، فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي ، فحفروا له بئراً ، فألقوه فيها ، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم ، قال فكان ذلك العبد يذهب ، فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ، ويشتري به طعاماً وشراباً ، ثم يأتي به إلى تلك البئر ، فيرفع تلك الصخرة ، ويعينه الله تعالى عليها ، فيدلي إليه طعامه وشرابه ، ثم يردها كما كانت ، قال فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع ، فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها ، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة ، فاضطجع فنام ، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً ، ثم إنه هب ، فتمطى ، فتحول لشقه الآخر ، فاضطجع ، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ، ثم إنه هب ، واحتمل حزمته ، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع ، ثم إنه ذهب إلى الحفيرة موضعها الذي كانت فيه ، فالتمسه فلم يجده ، وكان قد بدا لقومه فيه بداء ، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه ، قال فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل ؟ فيقولون له لا ندري ، حتى قبض الله النبي ، وهب الأسود من نومته بعد ذلك " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة " وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب مرسلاً ، وفيه غرابة ونكارة ، ولعل فيه إدراجاً ، والله أعلم . وقال ابن جرير لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم ، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم ، اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم ، والله أعلم . واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج ، فالله أعلم . وقوله تعالى { وَقُرُوناً بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيراً } أي وأمماً بين أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة ، ولهذا قال { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } أي بينا لهم الحجج ، ووضحنا لهم الأدلة كما قال قتادة وأزحنا الأعذار عنهم ، { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } أي أهلكنا إهلاكاً كقوله تعالى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } الإسراء 17 والقرن هو الأمة من الناس ، كقوله { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً ءَاخَرِينَ } المؤمنون 42 وحده بعضهم بمائة وعشرين سنة . وقيل بمائة . وقيل بثمانين ، وقيل أربعين ، وقيل غير ذلك ، والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد ، وإذا ذهبوا وخلفهم جيل ، فهم قرن آخر ، كما ثبت في " الصحيحين " " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " الحديث . { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِىۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } يعني قرية قوم لوط ، وهي سدوم ، ومعاملتها ، التي أهلكها الله بالقلب وبالمطر من الحجارة التي من سجيل ، كما قال تعالى { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } الشعراء 173 وقال { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وَبِٱلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الصافات 137 ــــ 138 وقال تعالى { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } الحجر 76 وقال { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } الحجر 79 ولهذا قال { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } ؟ أي فيعتبروا بما حل بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول ، وبمخالفتهم أوامر الله ، { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } يعني المارين بها من الكفار ، لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشوراً ، أي معاداً يوم القيامة .