Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 51-54)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } يدعوهم إلى الله عز وجل ، ولكنا خصصناك يا محمد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض ، وأمرناك أن تبلغهم القرآن { لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } الأنعام 19 { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } هود 17 { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا } الشورى 7 { قُلْ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } الأعراف 158 . وفي " الصحيحين " " بعثت إلى الأحمر والأسود " ، وفيهما " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة " ولهذا قال تعالى { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَجَـٰهِدْهُمْ بِهِ } يعني القرآن ، قاله ابن عباس { جِهَاداً كَبيراً } كما قال تعالى { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّـٰرَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } التوبة 83 الآية . وقوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي خلق الماءين الحلو والملح ، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار ، وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال ، قاله ابن جريج ، واختاره ابن جرير ، وهذا المعنى لا شك فيه ، فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات ، والله سبحانه وتعالى إنما أخبر بالواقع لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه ، فالبحر العذب هو هذا السارح بين الناس ، فرقه الله تعالى بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً وعيوناً في كل أرض ، بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأرضيهم . وقوله تعالى { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } أي مالح مر زعاق لا يستساغ ، وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب البحر المحيط ، وما يتصل به من الزقاق ، وبحر القلزم ، وبحر اليمن ، وبحر البصرة ، وبحر فارس ، وبحر الصين والهند ، وبحر الروم ، وبحر الخزر ، وما شاكلها وما شابهها من البحار الساكنة التي لا تجري ، ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح ، ومنها ما فيه مد وجزر ، ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض ، فإذا شرع الشهر في النقصان ، جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى ، فإذا استهل الهلال من الشهر الآخر ، شرعت في المد إلى الليلة الرابعة عشرة ، ثم تشرع في النقص ، فأجرى الله سبحانه وتعالى ــــ وهو ذو القدرة التامة ــــ العادة بذلك ، فكل هذه البحار الساكنة ، خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء ، فيفسد الوجود بذلك ، ولئلا تجوى الأرض بما يموت فيها من الحيوان ، ولما كان ماؤها مالحاً ، كان هواؤها صحيحاً ، وميتتها طيبة ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن ماء البحر أنتوضأ به ؟ فقال " هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته " رواه الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأهل السنن بإسناد جيد . وقوله تعالى { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً } أي بين العذب والمالح { بَرْزَخاً } أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض ، { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الآخر كقوله تعالى { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ } الرحمن 19 ــــ 21 وقوله تعالى { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } النمل 61 . وقوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً } الآية ، أي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة ، فسواه وعدله ، وجعله كامل الخلقة ذكراً وأنثى ، كما يشاء ، { فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } فهو في ابتداء أمره ولد نسيب ، ثم يتزوج فيصير صهراً ، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات ، وكل ذلك من ماء مهين ، ولهذا قال تعالى { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً } .