Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 55-60)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام التي لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً ، بلا دليل قادهم إلى ذلك ، ولا حجة أدتهم إليه ، بل بمجرد الآراء والتشهي والأهواء ، فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم ، ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم ، ولهذا قال تعالى { وَكَانَ ٱلْكَـٰفِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } أي عوناً في سبيل الشيطان على حزب الله وحزب الله ، هم الغالبون ، كما قال تعالى { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } يس 74 ــــ 75 أي آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك لهم نصراً ، وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم ، ويذبون عن حوزتهم ، ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا والآخرة . قال مجاهد { وَكَانَ ٱلْكَـٰفِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } قال يظاهر الشيطان على معصية الله ، ويعينه . وقال سعيد بن جبير { وَكَانَ ٱلْكَـٰفِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } يقول عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك . وقال زيد بن أسلم { وَكَانَ ٱلْكَـٰفِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } قال موالياً . ثم قال تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } أي بشيراً للمؤمنين ، ونذيراً للكافرين ، مبشراً بالجنة لمن أطاع الله ، ونذيراً بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر الله { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي على هذا البلاغ وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم ، وإنما أفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } التكوير 28 { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } أي طريقاً ومسلكاً ومنهجاً يقتدي فيها بما جئت به . ثم قال تعالى { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَىِّ ٱلَّذِى لاَ يَمُوتُ } أي في أمورك كلها كن متوكلاً على الله الحي الذي لا يموت أبداً ، الذي هو { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلأَخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلْبَـٰطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ } الحديد 3 الدائم الباقي السرمدي الأبدي الحي القيوم ، ورب كل شيء ومليكه ، اجعله ذخرك وملجأك ، وهو الذي يتوكل عليه ويفزع إليه ، فإنه كافيك وناصرك ، ومؤيدك ومظفرك كما قال تعالى { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } المائدة 67 . وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل قال قرأت على معقل ، يعني ابن عبيد الله ، عن عبد الله بن أبي حسين عن شهر بن حوشب قال لقي سلمان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض فجاج المدينة ، فسجد له ، فقال " لا تسجد لي يا سلمان ، واسجد للحي الذي لا يموت " وهذا مرسل حسن . وقوله تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أي اقرن بين حمده وتسبيحه ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك " أي أخلص له العبادة والتوكل كما قال تعالى { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } المزمل 9 وقال تعالى { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } هود 123 وقال تعالى { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ءَامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } الملك 29 . وقوله تعالى { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } أي بعلمه التام الذي لا يخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة . وقوله تعالى { ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } الآية ، أي هو الحي الذي لا يموت ، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه ، الذي خلق بقدرته السموات السبع في ارتفاعها واتساعها ، والأرضين السبع في سفولها وكثافتها { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي يدبر الأمر ، ويقضي الحق ، وهو خير الفاصلين . وقوله { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } أي استعلم عنه من هو خبير به ، عالم به ، فاتبعه واقتد به ، وقد علم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه ، سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، فما قاله فهو الحق ، وما أخبر به فهو الصدق ، وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء ، وجب رد نزاعهم إليه ، فما وافق أقواله وأفعاله ، فهو الحق ، وما خالفها ، فهو مردود على قائله وفاعله ، كائناً من كان ، قال الله تعالى { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ } النساء 59 الآية ، وقال تعالى { وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ } الشورى 10 وقال تعالى { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } الأنعام 115 أي صدقاً في الإخبار ، وعدلاً في الأوامر والنواهي ، ولهذا قال تعالى { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } . قال مجاهد في قوله { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } قال ما أخبرتك من شيء ، فهو كما أخبرتك . وكذا قال ابن جريج . وقال شمر بن عطية في قوله { فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } هذا القرآن خبير به . ثم قال تعالى منكراً على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } أي لا نعرف الرحمن ، وكانوا ينكرون أن يسمى الله باسمه الرحمن ، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقالوا لا نعرف الرحمن ولا الرحيم ، ولكن اكتب كما كنت تكتب باسمك اللهم ، ولهذا أنزل الله تعالى { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلاَْسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } الإسراء 110 أي هو الله ، وهو الرحمن . وقال في هذه الآية { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } أي لا نعرفه ، ولا نقر به ، { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } ؟ أي لمجرد قولك ، { وَزَادَهُمْ نُفُوراً } فأما المؤمنون فإنهم يعبدون الله الذي هو الرحمن الرحيم ، ويفردونه بالإلهية ، ويسجدون له ، وقد اتفق العلماء رحمهم الله على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها لقارئها ومستمعها كما هو مقرر في موضعه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .