Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 72-74)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه أيضاً من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور ، قيل هو الشرك وعبادة الأصنام ، وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل ، وقال محمد بن الحنفية هو اللغو والغناء . وقال أبو العالية وطاوس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم هي أعياد المشركين . وقال عمرو بن قيس هي مجالس السوء والخنا . وقال مالك عن الزهري شرب الخمر ، لا يحضرونه ولا يرغبون فيه كما جاء في الحديث " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " وقيل المراد بقوله تعالى { لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي شهادة الزور ، وهي الكذب متعمداً على غيره كما في " الصحيحين " عن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " ثلاثاً ، قلنا بلى يا رسول الله . قال " الشرك بالله ، وعقوق الوالدين " وكان متكئاً ، فجلس فقال " ألا وقول الزور ، ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت . والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور ، أي لا يحضرونه ، ولهذا قال تعالى { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } أي لا يحضرون الزور ، وإذا اتفق مرورهم به ، مروا ولم يتدنسوا منه بشيء ، ولهذا قال { مَرُّواْ كِراماً } . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سيعد الأشج ، حدثنا أبو الحسن العجلي عن محمد بن مسلم ، أخبرني إبراهيم بن ميسرة أن ابن مسعود مر بلهو فلم يقف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريماً " وحدثنا الحسين بن محمد بن سلمة النحوي ، ثنا حبان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد بن مسلم ، أخبرني ميسرة قال بلغني أن ابن مسعود مر بلهو معرضاً ، فلم يقف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريماً " ثم تلا إبراهيم بن ميسرة { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } . وقوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـآيَـٰتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } وهذه أيضاً من صفات المؤمنين { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الأنفال 2 بخلاف الكافر ، فإنه إذا سمع كلام الله ، لا يؤثر فيه ، ولا يتغير عما كان عليه ، بل يبقى مستمراً على كفره وطغيانه وجهله وضلاله كما قال تعالى { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَـٰناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَـٰناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } التوبة 124 ــــ 125 فقوله { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } أي بخلاف الكافر الذي إذا سمع آيات الله ، فلا تؤثر فيه ، فيستمر على حاله كأن لم يسمعها أصم أعمى . قال مجاهد قوله { لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } قال لم يسمعوا ولم يبصروا ولم يفقهوا شيئاً . وقال الحسن البصري رضي الله عنه كم من رجل يقرؤها ويخر عليها أصم أعمى . وقال قتادة قوله تعالى { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـآيَـٰتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } يقول لم يصموا عن الحق ، ولم يعموا فيه ، فهم والله قوم عقلوا عن الحق ، وانتفعوا بما سمعوا من كتابه . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أسيد بن عاصم ، حدثنا عبد الله بن حمران ، حدثنا ابن عون قال سألت الشعبي قلت الرجل يرى القوم سجوداً ، ولم يسمع ما سجدوا ، أيسجد معهم ؟ قال فتلا هذه الآية يعني أنه لا يسجد معهم لأنه لم يتدبر أمر السجود ، ولا ينبغي للمؤمن أن يكون إمعة ، بل يكون على بصيرة من أمره ، ويقين واضح بين . وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له . قال ابن عباس يعنون من يعمل بطاعة الله ، فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة . قال عكرمة لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالاً ، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين . وسئل الحسن البصري عن هذه الآية ، فقال أن يري الله العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة الله ، لا والله لا شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً ، أو ولد ولد ، أو أخاً ، أو حميماً مطيعاً لله عز وجل . قال ابن جريج في قوله { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } قال يعبدونك ، فيحسنون عبادتك ، ولا يجرون علينا الجرائر . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني يسألون الله تعالى لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام . وقال الإمام أحمد حدثنا يعمر بن بشر ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا صفوان بن عمرو ، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً ، فمر به رجل فقال طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم لوددنا أنا رأينا ما رأيت ، وشهدنا ما شهدت ، فاستغضب المقداد ، فجعلت أعجب ، لأنه ما قال إلا خيراً ، ثم أقبل إليه فقال ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضراً غيبه الله عنه ، لا يدري لو شهده كيف يكون فيه ؟ والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام أكبهم الله على مناخرهم في جهنم ، لم يجيبوه ولم يصدقوه ، أولا تحمدون الله إذ أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعرفون إلا ربكم ، مصدقين بما جاء به نبيكم ، قد كفيتم البلاء بغيركم ؟ لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلمعلى أشد حال بعث عليها نبياً من الأنبياء في فترة جاهلية ، ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل ، وفرق بين الوالد وولده ، إن كان الرجل ليرى والده وولده أو أخاه كافراً ، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان ، يعلم أنه إن هلك دخل النار ، فلا تقر عينه ، وهو يعلم أن حبيبه في النار ، وأنها التي قال الله تعالى { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجوه . وقوله تعالى { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } قال ابن عباس والحسن والسدي وقتادة والربيع بن أنس أئمة يقتدى بنا في الخير . وقال غيرهم هداة مهتدين دعاة إلى الخير ، فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم ، وأن يكون هداهم متعدياً إلى غيرهم بالنفع ، وذلك أكثر ثواباً ، وأحسن مآباً ، ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم ، انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو صدقة جارية " .