Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 123-135)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام ، أنه دعا قومه عاداً ، وكان قومه يسكنون الأحقاف ، وهي جبال الرمل قريباً من حضرموت ، من جهة بلاد اليمن ، وكان زمانهم بعد قوم نوح ، كما قال في سورة الأعراف { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } الأعراف 69 وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد ، والطول المديد ، والأرزاق الدارة ، والأموال والجنات والأنهار ، والأبناء والزروع والثمار ، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه ، فبعث الله هوداً إليهم رجلاً منهم رسولاً وبشيراً ونذيراً ، فدعاهم إلى الله وحده ، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه ، فقال لهم كما قال نوح لقومه إلى أن قال { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ } اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة ، يبنون هناك بنياناً محكماً هائلاً باهراً ، ولهذا قال { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً } أي معلماً بناء مشهوراً { تَعْبَثُونَ } أي وإنما تفعلون ذلك عبثاً ، لا للاحتياج إليه ، بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ، ولهذا أنكر عليه نبيهم عليهم السلام ذلك لأنه تضييع للزمان ، وإتعاب للأبدان في غير فائدة ، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ، ولا في الآخرة ، ولهذا قال { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } قال مجاهد والمصانع البروج المشيدة ، والبنيان المخلد ، وفي رواية عنه بروج الحمام . وقال قتادة هي مأخذ الماء . قال قتادة وقرأ بعض الكوفيين وتتخذون مصانع كأنكم خالدون . وفي القراءة المشهورة { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } أي لكي تقيموا فيها أبداً ، وذلك ليس بحاصل لكم ، بل زائل عنكم ، كما زال عمن كان قبلكم . وروى ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا أبي ، حدثنا الحكم بن موسى ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابن عجلان ، حدثني عون بن عبد الله بن عتبة أن أبا الدرداء رضي الله عنه لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان ونصب الشجر ، قام في مسجدهم فنادى يا أهل دمشق فاجتمعوا إليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ألا تستحيون ، ألا تستحيون ، تجمعون ما لا تأكلون ، وتبنون ما لا تسكنون ، وتأملون ما لا تدركون ، إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون ، ويبنون فيوثقون ، ويأملون فيطيلون ، فأصبح أملهم غروراً ، وأصبح جمعهم بوراً ، وأصبحت مساكنهم قبوراً ، ألا إن عاداً ملكت ما بين عدن وعمان خيلاً وركاباً ، فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟ . وقوله { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } أي يصفهم بالقوة والغلظة والجبروت ، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أي اعبدوا ربكم ، وأطيعوا رسولكم ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم ، فقال { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِىۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَـٰمٍ وَبَنِينَ وَجَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ إِنِّىۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } أي إن كذبتم وخالفتم ، فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب ، فما نفع فيهم .