Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 136-140)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن جواب قوم هود له بعد ما حذرهم وأنذرهم ، ورغبهم ورهبهم ، وبين لهم الحق ووضحه { قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَٰعِظِينَ } أي لا نرجع عما نحن عليه ، { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِىۤ ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } هود 53 وهكذا الأمر ، فإن الله تعالى قال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وقال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } يونس 96 الآية ، وقولهم { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } قرأ بعضهم { إن هذا إلا خَلْقُ الأَولين } بفتح الخاء وتسكين اللام . قال ابن مسعود والعوفي عن عبد الله بن عباس وعلقمة ومجاهد يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلاأخلاق الأولين ، كما قال المشركون من قريش { وَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } الفرقان 4 ــــ 5 وقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } الفرقان 4 ــــ 5 وقال { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } النحل 24 وقرأ آخرون { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } بضم الخاء واللام ، يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأولين من الآباء والأجداد ، ونحن تابعون لهم ، سالكون وراءهم ، نعيش كما عاشوا ، ونموت كما ماتوا ، ولا بعث ولامعاد ، ولهذا قالوا { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } يقول دين الأولين . وقاله عكرمة وعطاء الخراساني وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير . وقوله تعالى { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } أي استمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده ، فأهلكهم الله . وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحاً صرصراً عاتية ، أي ريحاً شديدة الهبوب ، ذات برد شديد جداً ، فكان سبب إهلاكهم من جنسهم ، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره ، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة ، كما قال تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } الفجر 6 ــــ 7 وهم عاد الأولى ، كما قال تعالى { 1649وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } النجم 50 وهم من نسل إرم بن سام بن نوح { إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ } الفجر 7 الذين كانوا يسكنون العمد ، ومن زعم أن إرم مدينة ، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب ، وليس لذلك أصل أصيل ، ولهذا قال { ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } الفجر 8 أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم ، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال التي لم يبن مثلها في البلاد ، وقال تعالى { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ } فصلت 15 وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا مقدار أنف الثور ، عتت على الخزنة ، فأذن الله لها في ذلك ، فسلكت فحصبت بلادهم ، فحصبت كل شيء لهم ، كما قال تعالى { تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } الآية ، وقال تعالى { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } ــــ إلى قوله ــــ { حُسُوماً } ــــ أي كاملة ــــ { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي بقوا أبداناً بلا رؤوس ، وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم ، فتقتلعه وترفعه في الهواء ، ثم تنكسه على أم رأسه ، فتشدخ دماغه ، وتكسر رأسه وتلقيه ، كأنهم أعجاز نخل منقعر ، وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات ، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم ، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئاً ، { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ } نوح 4 ولهذا قال تعالى { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } الآية .