Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 38-48)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر الله تعالى هذه المناظرة الفعلية بين موسى عليه السلام والقبط في سورة الأعراف ، وفي سورة طه ، وفي هذه السورة ، وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، وهذا شأن الكفر والإيمان ، ما تواجها وتقابلا ، إلا غلبه الإيمان { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء 18 { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ } الإسراء 81 الآية ، ولهذا لما جاء السحرة ، وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر ، وكانوا إذ ذاك من أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلاً في ذلك ، وكان السحرة جمعاً كثيراً وجماً غفيراً ، قيل كانوا اثني عشر ألفاً ، وقيل خمسة عشر ألفاً ، وقيل سبعة عشر ألفاً ، وقيل تسعة عشر ألفاً ، وقيل بضعة وثلاثين ألفاً ، وقيل ثمانين ألفاً ، وقيل غير ذلك ، والله أعلم بعدتهم . قال ابن إسحاق وكان أمرهم راجعاً إلى أربعة منهم ، وهم رؤساؤهم ، وهم سابور ، وعاذور ، وحطحط ، ومصفى ، واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم ، وقال قائلهم { لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } ولم يقولوا نتبع الحق ، سواء كان من السحرة أو من موسى ، بل الرعية على دين ملكهم ، { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ } أي إلى مجلس فرعون ، وقد ضربوا له وطاقاً ، وجمع خدمه وحشمه وأمراؤه ووزراؤه ورؤساء دولته وجنود مملكته ، فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا ، أي هذا الذي جمعتنا من أجله ، فقالوا { أَإِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي ، فعادوا إلى مقام المناطرة { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِىَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ } طه 65 ــــ 66 وقد اختصر هذا ههنا ، فقال لهم موسى { أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } وهذا كما تقول الجهلة من العوام إذا فعلوا شيئاً هذا بثواب فلان ، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأعراف أنهم { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } الأعراف 116 . وقال في سورة طه { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } ــــ إلى قوله ــــ { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } طه 66 ــــ 69 وقال ههنا { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } أي تخطفه وتجمعه من كل بقعة وتبتلعه ، فلم تدع منه شيئاً . قال الله تعالى { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ــــ إلى قوله ــــ { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } الأعراف 118 ــــ 122 فكان هذا أمراً عظيماً جداً ، وبرهاناً قاطعاً للعذر ، وحجة دامغة ، وذلك أن الذين استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا ، غلبوا وخضعوا ، وآمنوا بموسى في الساعة الراهنة ، وسجدوا لله رب العالمين الذي أرسل موسى وهارون بالحق وبالمعجزة الباهرة ، فغلب فرعون غلباً لم يشاهد العالم مثله ، وكان وقحاً جريئاً ، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل ، فشرع يتهددهم ويتوعدهم ويقول { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } وقال { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } الأعراف 123 الآية .