Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 60-68)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر غير واحد من المفسرين أن فرعون خرج في جحفل عظيم وجمع كبير ، هو عبارة عن مملكة الديار المصرية في زمانه ، أولي الحل والعقد والدول من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود ، فأما ما ذكره غير واحد من الإسرائيليات من أنه خرج في ألف ألف وستمائة ألف فارس ، منها مائة ألف على خيل دهم ، وقال كعب الأحبار فيهم ثمانمائة ألف حصان أدهم ، وفي ذلك نظر ، والظاهر أن ذلك من مجازفات بني إسرائيل ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، والذي أخبر به القرآن هو النافع ، ولم يعين عدتهم إذ لا فائدة تحته ، إلا أنهم خرجوا بأجمعهم ، { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } أي وصلوا إليهم عند شروق الشمس ، وهو طلوعها ، { فَلَمَّا تَرَآءَا ٱلْجَمْعَانِ } أي رأى كل من الفريقين صاحبه ، فعند ذلك { قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } وذلك أنهم انتهى بهم السير إلى سيف البحر ، وهو بحر القلزم ، فصار أمامهم البحر ، وقد أدركهم فرعون بجنوده ، فلهذا قالوا { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ } أي لا يصل إليكم شيء مما تحذرون ، فإن الله سبحانه هو الذي أمرني أن أسير ههنا بكم ، وهو سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد ، وكان هارون عليه السلام في المقدمة ، ومعه يوشع بن نون ، ومؤمن آل فرعون ، وموسى عليه السلام في الساقة ، وقد ذكر غير واحد من المفسرين أنهم وقفوا لا يدرون ما يصنعون ، وجعل يوشع بن نون أو مؤمن آل فرعون ، يقول لموسى عليه السلام يا نبي الله ههنا أمرك ربك أن تسير ؟ فيقول ، نعم ، فاقترب فرعون وجنوده ، ولم يبق إلا القليل ، فعند ذلك أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر ، فضربه وقال انفلق بإذن الله . وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد ، حدثنا محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال يا من كان قبل كل شيء ، والمكون لكل شيء ، والكائن بعد كل شيء ، اجعل لنا مخرجاً ، فأوحى الله إليه { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } . وقال قتادة أوحى الله تلك الليلة إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه ، فاسمع له وأطع ، فبات البحر تلك الليلة وله اضطراب ، ولا يدري من أي جانب يضربه موسى ، فلما انتهى إليه موسى ، قال له فتاه يوشع بن نون يا نبي الله أين أمرك ربك عز وجل ؟ قال أمرني أن أضرب البحر ، قال فاضربه . وقال محمد بن إسحاق أوحى الله ــــ فيما ذكر لي ــــ إلى البحر أن إذا ضربك موسى بعصاه ، فانفلق له ، قال فبات البحر يضطرب ويضرب بعضه بعضاً فرقاً من الله تعالى ، وانتظاراً لما أمره الله ، وأوحى الله إلى موسى { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } فضربه بها ، ففيها سلطان الله الذي أعطاه ، فانفلق ، ذكر غير واحد أنه جاء فكناه ، فقال انفلق عليّ أبا خالد بحول الله . قال الله تعالى { فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } أي كالجبل الكبير ، قاله ابن مسعود وابن عباس ومحمد بن كعب والضحاك وقتادة وغيرهم . وقال عطاء الخراساني هو الفج بين الجبلين . وقال ابن عباس صار البحر اثني عشر طريقاً ، لكل سبط طريق ، وزاد السدي وصار فيه طاقات ينظر بعضهم إلى بعض ، وقام الماء على حيلة كالحيطان . وبعث الله الريح إلى قعر البحر فلفحته ، فصار يبساً كوجه الأرض ، قال الله تعالى { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } طه 77 ــــ 78 . وقال في هذه القصة { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلأَخَرِينَ } أي هنالك . قال ابن عباس وعطاء الخراساني وقتادة والسدي { وَأَزْلَفْنَا } أي قربنا من البحر فرعون وجنوده ، وأدنيناهم إليه ، { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلأَخَرِينَ } أي أنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتبعهم على دينهم ، فلم يهلك منهم أحد ، وأغرق فرعون وجنوده ، فلم يبق منهم رجل إلا هلك . وروى ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا شبابة ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله ، هو ابن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى ببني إسرائيل ، بلغ فرعون ذلك ، فأمر بشاة فذبحت ، وقال لا والله لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إليّ ستمائة ألف من القبط ، فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر ، فقال له انفرق ، فقال له البحر قد استكبرت يا موسى ، وهل انفرقت لأحد من ولد آدم ، فأنفرق لك ؟ قال ، ومع موسى رجل على حصان له ، فقال له ذلك الرجل ، أين أمرت يا نبي الله ؟ قال ما أمرت إلا بهذا الوجه ، قال والله ما كذب ولا كذبت ، ثم اقتحم الثانية فسبح ثم خرج ، فقال أين أمرت يا نبي الله ؟ قال ما أمرت إلا بهذا الوجه . قال والله ما كذب ولا كذبت ، قال فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه موسى بعصاه ، فانفلق ، فكان فيه اثنا عشر سبطاً لكل سبط طريق يتراءون ، فلما خرج أصحاب موسى ، وتتام أصحاب فرعون ، التقى البحر عليهم فأغرقهم . وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال فلما خرج آخر أصحاب موسى ، وتكامل أصحاب فرعون ، انطم عليهم البحر ، فما رئي سواد أكثر من يومئذ ، وغرق فرعون لعنه الله ، ثم قال تعالى { إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لأَيَةً } أي في هذه القصة ، وما فيها من العجائب والنصر والتأييد لعباد الله المؤمنين ، لدلالة وحجة قاطعة وحكمة بالغة ، { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } تقدم تفسيره .