Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 7-14)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مذكراً له ما كان من أمر موسى عليه السلام ، كيف اصطفاه الله ، وكلمه وناجاه ، وأعطاه من الآيات العظيمة الباهرة والأدلة القاهرة ، وابتعثه إلى فرعون وملئه ، فجحدوا بها وكفروا ، واستكبروا عن اتباعه والانقياد له ، فقال تعالى { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَِهْلِهِ } أي اذكر حين سار موسى بأهله ، فأضل الطريق ، وذلك في ليل وظلام ، فآنس من جانب الطور ناراً ، أي رأى ناراً تتأجج وتضطرم ، فقال { لأَِهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَـأَتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } أي عن الطريق { بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي تستدفئون به ، وكان كما قال فإنه رجع منها بخبر عظيم ، واقتبس منها نوراً عظيماً ، ولهذا قال تعالى { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي فلما أتاها ، ورأى منظراً هائلاً عظيماً ، حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء ، لا تزداد النار إلا توقداً ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة ، ثم رفع رأسه ، فإذا نورها متصل بعنان السماء . قال ابن عباس وغيره لم تكن ناراً ، وإنما كانت نوراً يتوهج ، وفي رواية عن ابن عباس نور رب العالمين ، فوقف موسى متعجباً مما رأى ، { نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } . قال ابن عباس تقدس { وَمَنْ حَوْلَهَا } أي من الملائكة ، قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة . وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، هو الطيالسي ، حدثنا شعبة والمسعودي عن عمرو بن مرة ، سمع أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل " ، زاد المسعودي " وحجابه النور أو النار ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره " ثم قرأ أبو عبيدة { نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } وأصل الحديث مخرج في " صحيح مسلم " من حديث عمرو بن مرة به . وقوله تعالى { حَوْلَهَا وَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الذي يفعل ما يشاء ، ولا يشبهه شيء من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العلي العظيم ، المباين لجميع المخلوقات ، ولا تكتنفه الأرض والسموات ، بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات . وقوله تعالى { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه ، الحكيم في أقواله وأفعاله ، ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ، ليظهر له دليلاً واضحاً على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء ، فلما ألقى موسى تلك العصا من يده ، انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة ، في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك ، ولهذا قال تعالى { فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكثره اضطراباً . وفي الحديث نهي عن قتل جنان البيوت ، فلما عاين موسى ذلك ، { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي لم يلتفت من شدة فرقه ، { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } أي لا تخف مما ترى ، فإني أريد أن أصطفيك رسولاً ، وأجعلك نبياً وجيهاً . وقوله تعالى { إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هذا استنثاء منقطع ، وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على عمل سيـىء ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب ، فإن الله يتوب عليه ، كما قال تعالى { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } طه 82 وقال تعالى { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } النساء 110 الآية ، والآيات في هذا كثيرة جداً . وقوله تعالى { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار ، وصدق من جعل له معجزة ، وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه ، فإذا أدخلها وأخرجها ، خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر ، لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف . وقوله تعالى { سُوۤءٍ فِي تِسْعِ ءَايَـٰتٍ } أي هاتان ثنتان من تسع آيات ، أؤيدك بهن ، وأجعلهن برهاناً لك إلى فرعون وقومه { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَـٰتٍ بَيِّنَاتٍ } الإسراء 101 كما تقدم تقرير ذلك هنالك . وقوله تعالى { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَـٰتُنَا مُبْصِرَةً } أي بينة واضحة ظاهرة ، { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، وأرادوا معارضته بسحرهم ، فغلبوا وانقلبوا صاغرين أي في ظاهر أمرهم ، { وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } أي علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله ، ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها { ظُلْماً وَعُلُوّاً } أي ظلماً من أنفسهم سجية ملعونة ، وعلواً ، أي استكباراً عن اتباع الحق ، ولهذا قال تعالى { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة أمرهم في إهلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة ، وفحوى الخطاب يقول احذروا أيها المكذبون لمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به ، وأخذ المواثيق له ، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام .