Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 15-19)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان عليهما السلام ، من النعم الجزيلة والمواهب الجليلة ، والصفات الجميلة ، وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة ، والملك والتمكين التام في الدنيا ، والنبوة والرسالة في الدين ، ولهذا قال تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال ابن أبي حاتم ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام ، أخبرني أبي عن جدي قال كتب عمر بن عبد العزيز إن الله لم ينعم على عبده نعمة ، فيحمد الله عليها ، إلا كان حمده أفضل من نعمه ، لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل ، قال الله تعالى { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } فأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان عليهما السلام . وقوله تعالى { وَوَرِثَ سُلَيْمَـٰنُ دَاوُدَ } أي في الملك والنبوة ، وليس المراد وراثة المال ، إذ لو كان كذلك ، لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود ، فإنه قد كان لداوُد مائة امرأة ، ولكن المراد بذلك وراثة الملك والنبوة ، فإن الأنبياء لا تورث أموالهم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة " وقال { وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } أي أخبر سليمان بنعم الله عليه فيما وهبه له من الملك التام ، والتمكين العظيم ، حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير ، وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضاً ، وهذا شيء لم يعطه أحد من البشر فيما علمناه مما أخبر الله به ورسوله ، ومن زعم من الجهلة والرعاع أن الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود ، كما قد يتفوه به كثير من الناس ، فهو قول بلا علم ، ولو كان الأمر كذلك ، لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة ، إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم ، ويعرف ما تقول ، وليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا ، بل لم تزل البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال . ولكن الله سبحانه كان قد أفهم سليمان ما يتخاطب به الطيور في الهواء ، وما تنطق به الحيوانات على اختلاف أصنافها ، ولهذا قال تعالى { ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ } أي مما يحتاج إليه الملك ، { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } أي الظاهر البين لله علينا . قال الإمام أحمد حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة ، فكان إذا خرج ، أغلقت الأبواب ، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع ــــ قال ــــ فخرج ذات يوم ، وأغلقت الأبواب ، فأقبلت امرأة تطلع إلى الدار ، فإذا رجل قائم وسط الدار ، فقالت لمن في البيت من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة ؟ والله لنفتضحن بداود ، فجاء داود عليه السلام ، فإذا الرجل قائم وسط الدار ، فقال له داود من أنت ؟ فقال الذي لا يهاب الملوك ، ولا يمتنع من الحجاب ، فقال داود أنت إذاً والله ملك الموت ، مرحباً بأمر الله ، فتزمل داود مكانه حتى قبضت نفسه حتى فرغ من شأنه ، وطلعت عليه الشمس ، فقال سليمان عليه السلام للطير أظلي داود ، فظللت عليه الطير حتى أظلمت عليه الأرض ، فقال لها سليمان اقبضي جناحاً جناحاً " قال أبو هريرة يا رسول الله كيف فعلت الطير ؟ " فقبض رسول الله يده وغلبت عليه يومئذ المضرحية " قال أبو الفرج بن الجوزي المضرحية هن النسور الحمراء . وقوله تعالى { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَـٰنَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ، يعني ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإنس ، وكانوا هم الذين يلونه ، والجن وهم بعدهم في المنزلة ، والطير ، ومنزلتها فوق رأسه ، فإن كان حر ، أظلته منه بأجنحتها . وقوله { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي يكف أولهم على آخرهم لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له . قال مجاهد جعل على كل صنف وزعة ، يردون أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير كما يفعل الملوك اليوم . وقوله { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِي ٱلنَّمْلِ } أي حتى إذا مر سليمان عليه السلام بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ، { قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَـٰكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَـٰنُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أورد ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن اسم هذه النملة حرس ، وأنها من قبيلة يقال لهم بنو الشيصان ، وأنها كانت عرجاء ، وكانت بقدر الذئب ، أي خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها ، فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم ، ففهم ذلك سليمان عليه السلام منها { فَتَبَسَّمَ ضَـٰحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحاً تَرْضَـٰهُ } أي ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها عليّ من تعليمي منطق الطير والحيوان . وعلى والدي بالإسلام لك ، والإيمان بك ، { وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحاً تَرْضَـٰهُ } أي عملاً تحبه وترضاه ، { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } أي إذا توفيتني ، فألحقني بالصالحين من عبادك ، والرفيق الأعلى من أوليائك ، ومن قال من المفسرين إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره ، وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب ، أو غير ذلك من الأقاويل ، فلا حاصل لها . وعن نوف البكالي أنه قال كان نمل سليمان أمثال الذئاب ، هكذا رأيته مضبوطاً بالياء المثناة من تحت ، وإنما هو بالباء الموحدة ، وذلك تصحيف ، والله أعلم . والغرض أن سليمان عليه السلام فهم قولها ، وتبسم ضاحكاً من ذلك ، وهذا أمرعظيم جداً . وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد ابن بشار ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا مسعر عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي قال خرج سليمان بن داود عليهما السلام يستسقي ، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها ، رافعة قوائمها إلى السماء ، وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ، ولا غنى بنا عن سقياك ، وإلا تسقنا ، تهلكنا . فقال سليمان ارجعوا ، فقد سقيتم بدعوة غيركم . وقد ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الرزاق ، عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قرصت نبياً من الأنبياء نملة ، فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح ؟ فهلا نملة واحدة ؟ " .