Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 7-9)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل ، خافت القبط أن يفني بني إسرائيل ، فيلون هم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة ، فقالوا لفرعون إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم ، وغلمانهم يقتلون . ونساؤهم لا يمكن أن يقمن بما يقوم به رجالهم من الأعمال ، فيخلص إلينا ذلك ، فأمر بقتل الولدان عاماً ، وتركهم عاماً ، فولد هارون عليه السلام في السنة التي يتركون فيها الولدان ، وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها الولدان ، وكان لفرعون ناس موكلون بذلك ، وقوابل يَدُرْنَ على النساء ، فمن رأينها قد حملت ، أحصوا اسمها ، فإذا كان وقت ولادتها ، لايقبلها إلاَّ نساء القبط ، فإن ولدت المرأة جارية ، تركنها وذهبن ، وإن ولدت غلاماً ، دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار المرهفة فقتلوه ومضوا ، قبحهم الله تعالى . فلما حملت أم موسىٰ به عليه السلام ، لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ، ولم تفطن لها الدايات ، ولكن لما وضعته ذكراً ، ضاقت به ذرعاً ، وخافت عليه خوفاً شديداً ، وأحبته حباً زائداً ، وكان موسىٰ عليه السلام لا يراه أحد إلا أحبه ، فالسعيد من أحبه طبعاً وشرعاً ، قال الله تعالى { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } طه 39 فلما ضاقت به ذرعاً ، ألهمت في سرها ، وألقي في خلدها ، ونفث في روعها ، كما قال تعالى { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل ، فاتخذت تابوتاً ، ومهدت فيه مهداً ، وجعلت ترضع ولدها ، فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه ، ذهبت فوضعته في ذلك التابوت ، وسيرته في البحر ، وربطته بحبل عندها ، فلما كان ذات يوم ، دخل عليها من تخافه ، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت ، وأرسلته في البحر ، وذهلت عن أن تربطه ، فذهب مع الماء ، واحتمله ، حتى مر به على دار فرعون ، فالتقطه الجواري ، فاحتملنه فذهبن به إلى امرأة فرعون ، ولا يدرين ما فيه ، وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها ، فلما كشف عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه ، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه ، وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها ، ولهذا قال { فَٱلْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } الآية ، قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة ، لا لام التعليل ، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك ، ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه ، ولكن إذا نظر إلى معنى السياق ، فإنه تبقى اللام للتعليل ، لأن معناه أن الله تعالى قيضهم لالتقاطه ، ليجعله عدواً لهم وحزناً ، فيكون أبلغ في إبطال حذرهم منه ، ولهذا قال تعالى { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَـٰطِئِينَ } وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كتب كتاباً إلى قوم من القدرية في تكذيبهم بكتاب الله ، وبأقداره النافذة في علمه السابق وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن ، قال الله تعالى { وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ } القصص 6 وقلتم أنتم لو شاء فرعون أن يكون لموسى ولياً وناصراً ، والله تعالى يقول { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } الآية . وقوله تعالى { وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } الآية ، يعني أن فرعون لما رآه ، هم بقتله خوفاً من أن يكون من بني إسرائيل ، فشرعت امرأته آسية بنت مزاحم تخاصم عنه ، وتذب دونه ، وتحببه إلى فرعون ، فقالت { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } فقال فرعون أما لك فنعم ، وأما لي فلا ، فكان كذلك ، وهداها الله بسببه ، وأهلكه الله على يديه ، وقد تقدم في حديث الفتون في سورة طه هذه القصة بطولها من رواية ابن عباس مرفوعاً عند النسائي وغيره . وقوله { عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ } وقد حصل لها ذلك ، وهداها الله به ، وأسكنها الجنة بسببه . وقوله { أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } أي أرادت أن تتخذه ولداً وتتبناه ، وذلك أنه لم يكن لها ولد منه . وقوله تعالى { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أي لا يدرون ما أراد الله منه بالتقاطهم إياه من الحكمة العظيمة البالغة والحجة القاطعة .