Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 85-88)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى آمراً رسوله صلوات الله وسلامه عليه ببلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس ، ومخبراً له بأنه سيرده إلى معاد ، وهو يوم القيامة ، فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة ، ولهذا قال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } أي افترض عليك أداءه إلى الناس { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } أي إلى يوم القيامة ، فيسألك عن ذلك كما قال تعالى { فَلَنَسْـأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـألَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } الأعراف 6 وقال تعالى { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } المائدة 109 وقال { ٱوَجِـاْىۤءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَالْشُّهَدَآءِ } الزمر 69 . وقال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } يقول لرادك إلى الجنة ، ثم سائلك عن القرآن . قاله السدي ، وقال أبو سعيد مثلها ، وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } قال إلى يوم القيامة ، ورواه مالك عن الزهري ، وقال الثوري عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } إلى الموت ، ولهذا طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وفي بعضها لرادك إلى معدنك من الجنة . وقال مجاهد يحييك يوم القيامة ، وكذا روي عن عكرمة وعطاء وسعيد بن جبير وأبي قزعة وأبي مالك وأبي صالح . وقال الحسن البصري إي والله إن له لمعاداً ، فيبعثه الله يوم القيامة ، ثم يدخله الجنة . وقد روي عن ابن عباس غير ذلك . كما قال البخاري في التفسير من " صحيحه " حدثنا محمد بن مقاتل ، أنبأنا يعلى ، حدثنا سفيان العصفري عن عكرمة عن ابن عباس { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } قال إلى مكة ، وهكذا رواه النسائي في تفسير " سننه " ، وابن جرير من حديث يعلى ، وهو ابن عبيد الطنافسي به ، وهكذا رواه العوفي عن ابن عباس { عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ } أي لرادك إلى مكة كما أخرجك منها . وقال محمد بن إسحاق عن مجاهد في قوله { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } إلى مولدك بمكة . وقال ابن أبي حاتم وقد روي عن ابن عباس ويحيى بن الجزار وسعيد بن جبير وعطية والضحاك نحو ذلك . وحدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر قال قال سفيان فسمعناه من مقاتل منذ سبعين سنة عن الضحاك قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة ، فبلغ الجحفة ، اشتاق إلى مكة ، فأنزل الله عليه { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } إلى مكة ، وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية ، وإن كان مجموع السورة مكياً ، والله أعلم . وقد قال عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة في قوله تعالى { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } قال هذه مما كان ابن عباس يكتمها . وقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن نعيم القارىء أنه قال في قوله { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } قال إلى بيت المقدس ، وهذا ــــ والله أعلم ــــ يرجع إلى قول من فسر ذلك بيوم القيامة ، لأن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر ، والله الموفق للصواب . ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة ، وهو الفتح الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجل النبي صلى الله عليه وسلم كما فسر ابن عباس سورة { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } النصر 1 إلى آخر السورة ، أنه أَجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم نُعِي إليه ، وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب ، ووافقه عمر على ذلك ، وقال لا أعلم منها غير الذي تعلم ، ولهذا فسر ابن عباس تارة أخرى قوله { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } بالموت ، وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت ، وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره على أداء رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين الإنس والجن ، ولأنه أكمل خلق الله ، وأفصح خلق الله ، وأشرف خلق الله على الإطلاق . وقوله تعالى { قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي قل لمن خالفك وكذبك يا محمد من قومك من المشركين ، ومن تبعهم على كفرهم ، قل ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني ، وستعلمون لمن تكون له عاقبة الدار ، ولمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة . ثم قال تعالى مذكراً لنبيه نعمته العظيمة عليه ، وعلى العباد ، إذ أرسله إليهم { وَمَا كُنتَ تَرْجُواْۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبُ } أي ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك ، { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أي إنما أنزل الوحي عليك من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك ، فإذا منحك بهذه النعمة العظيمة ، { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَـٰفِرِينَ } أي معيناً { لِلْكَـٰفِرِينَ } ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم ، { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } أي لا تتأثر لمخالفتهم لك ، وصدهم الناس عن طريقك ، لا تلو على ذلك ، ولا تباله ، فإن الله مُعْلٍ كلمتك ، ومؤيد دينك ، ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان ، ولهذا قال { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي إلى عبادة ربك وحده لا شريك له ، { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } . وقوله { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءَاخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا تليق العبادة إلاَّ له ، ولا تنبغي الإلهية إلاَّ لعظمته ، وقوله { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم ، الذي تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } الرحمن 26 ــــ 27 فعبر بالوجه عن الذات ، وهكذا قوله ههنا { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } أي إلا إياه . وقد ثبت في الصحيح من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أصدق كلمة قالها الشاعر لَبيد ــــ ألا كُلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ ــــ " وقال مجاهد والثوري في قوله { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } أي إلاَّ ما أريد به وجهُه ، وحكاه البخاري في " صحيحه " كالمقرر له ، قال ابن جرير ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر @ أَسْتَغْفِرُ الله ذَنْباً لستُ مُحْصِيَه رَبّ العبادِ إليهِ الوَجْهُ والعَمَلُ @@ وهذا القول لا ينافي القول الأول ، فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة ، إلاَّ ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة ، والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية وزائلة ، إلا ذاته تعالى وتقدس ، فإنه الأول الآخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء . قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عمر بن سليم الباهلي ، حدثنا أبو الوليد قال كان ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه ، يأتي الخربة ، فيقف على بابها ، فينادي بصوت حزين ، فيقول أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } وقوله { وَلَهُ ٱلْحُكْمُ } أي الملك والتصرف ، ولا معقب لحكمه ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي يوم معادكم ، فيجزيكم بأعمالكم ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . آخر تفسير سورة القصص ولله الحمد والمنّة .