Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 14-15)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، يخبره عن نوح عليه السلام أنه مكث في قومه هذه المدة يدعوهم إلى الله تعالى ليلاً ونهاراً ، وسراً وجهاراً ، ومع هذا ما زادهم ذلك إلا فراراً عن الحق ، وإعراضاً عنه ، وتكذيباً له ، وما آمن معه منهم إلا قليل ، ولهذا قال تعالى { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } أي بعد هذه المدة الطويلة ما نجع فيهم البلاغ والإنذار ، فأنت يا محمد لا تأسف على من كفر بك من قومك ، ولا تحزن عليهم ، فإن الله يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وبيده الأمر ، وإليه ترجع الأمور { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ } يونس 96 ــــ 97 الآية ، واعلم أن الله سيظهرك وينصرك ويؤيدك ، ويذل عدوك ويكبتهم ، ويجعلهم أسفل السافلين . قال حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال بعث نوح وهو لأربعين سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وعاش بعد الطوفان ستين عاماً حتى كثر الناس وفشوا . وقال قتادة يقال إن عمره كله ألف سنة إلا خمسين عاماً ، لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلثمائة سنة ، ودعاهم ثلثمائة سنة ، ولبث بعد الطوفان ثلثمائة سنة وخمسين عاماً ، وهذا قول غريب ، وظاهر السياق من الآية أنه مكث في قومه ، يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً . وقال عون بن أبي شداد إن الله تعالى أرسل نوحاً إلى قومه وهو ابن خمسين وثلثمائة سنة ، فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة ، وهذا أيضاً غريب ، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . وقول ابن عباس أقرب ، والله أعلم . وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن مجاهد قال قال لي ابن عمر كم لبث نوح في قومه ؟ قال قلت ألف سنة إلا خمسين عاماً ، قال فإن الناس لم يزالوا في نقصان من أعمارهم وأحلامهم وأخلاقهم إلى يومك هذا . وقوله تعالى { فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ } أي الذين آمنوا بنوح عليه السلام ، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلاً في سورة هود ، وتقدم تفسيره بما أغنى عن إعادته . وقوله تعالى { وَجَعَلْنَـٰهَآ ءَايَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ } أي وجعلنا تلك السفينة باقية ، إما عينها كما قال قتادة إنها بقيت إلى أول الإسلام على جبل الجودي ، أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق كيف أنجاهم من الطوفان كما قال تعالى { وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } يس 41 ــــ 44 وقال تعالى { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَٰعِيَةٌ } الحاقة 11 ــــ 12 وقال ههنا { فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَـٰهَآ ءَايَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ } وهذا من باب التدريج من الشخص إلى الجنس كقوله تعالى { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَـٰطِينِ } الملك 5 أي وجعلنا نوعها رجوماً فإن التي يرمى بها ليست هي زينة للسماء ، وقال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } المؤمنون 12 ــــ 13 ولهذا نظائر كثيرة . وقال ابن جرير لو قيل إن الضمير في قوله { وَجَعَلْنَـٰهَا } عائد إلى العقوبة ، لكان وجهاً ، والله أعلم .