Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 102-103)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي ، عن مرة ، عن عبد الله ، هو ابن مسعود { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر ، وهذا إسناد صحيح موقوف ، وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود ، وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب ، عن سفيان الثوري ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى " ، وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد ، عن مرة ، عن ابن مسعود مرفوعاً ، فذكره ، ثم قال صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، كذا قال ، والأظهر أنه موقوف ، والله أعلم . ثم قال ابن أبي حاتم وروي نحوه عن مرة الهمداني والربيع بن خُثيم وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي وطاوس والحسن وقتادة وأبي سنان والسدي ، نحو ذلك . وروي عن أنس أنه قال لا يتقي العبدُ اللّهَ حق تقاته حتى يخزن لسانه . وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية ، والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم والسدي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال لم تنسخ ، ولكن { حَقَّ تُقَاتِهِ } أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . وقوله تعالى { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه ، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه ، فعياذاً بالله من خلاف ذلك . قال الإمام أحمد حدثنا روح ، حدثنا شعبة ، قال سمعت سليمان عن مجاهد أن الناس كانوا يطوفون بالبيت ، وابن عباس جالس معه محجن ، فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ، ولو أن قطرة من الزقوم قُطِرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم ، فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم ؟ " وهكذا رواه الترمذي والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من طرق عن شعبة ، به ، وقال الترمذي حسن صحيح ، وقال الحاكم على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يزحزح عن النار ، ويدخل الجنة ، فلتدركه منيته وهو يؤمن با لله واليوم الآخر ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه " . وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " ورواه مسلم من طريق الأعمش به . وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله قال أنا عند ظن عبدي بي ، فإن ظن بي خيراً فله ، وإن ظن شراً فله " ، وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله أنا عند ظن عبدي بي " . وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الملك القرشي ، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت ، وأحسبه عن أنس ، قال كان رجل من الأنصار مريضاً ، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فوافقه في السوق ، فسلم عليه ، فقال له " كيف أنت يا فلان " ؟ قال بخير يا رسول الله ، أرجو الله وأخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن ، إلا أعطاه الله ما يرجو ، وآمنه مما يخاف " ، ثم قال لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان ، وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديثه ، ثم قال الترمذي غريب ، وقد رواه بعضهم عن ثابت مرسلاً ، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا محمد ابن جعفر ، حدثنا شعبة عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن حكيم بن حزام ، قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائماً ، ورواه النسائي في سننه عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن شعبة به ، وترجم عليه فقال باب كيف يخر للسجود ، ثم ساقه مثله ، فقيل معناه على أن لا أموت إلا مسلماً ، وقيل معناه أن لا أقتل إلا مقبلاً غير مدبر ، وهو يرجع إلى الأول . وقوله تعالى وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ قيل { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } أي بعهد الله ، كما قال في الآية بعدها { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ } آل عمران 112 أي بعهد وذمة ، وقيل { بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ } يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعاً في صفة القرآن " هو حبل الله المتين ، وصراطه المستقيم " . وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى ، فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثنا أسباط بن محمد ، عن عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض " . وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص ، عن عبد الله رضي الله عنه ، قال قال رسول الله " إن هذا القرآن هو حبل الله المتين ، وهو النور المبين ، وهو الشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن اتبعه " ، وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك . وقال وكيع حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال قال عبد الله إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين ، يا عبد الله هذا الطريق ، هلم إلى الطريق ، فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن . وقوله { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أمرهم بالجماعة ، ونهاهم عن التفرقة ، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق ، والأمر بالاجتماع والائتلاف ، كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويسخط لكم ثلاثاً ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط لكم ثلاثاً قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً ، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف ، وقد وقع ذلك في هذه الأمة ، فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة ، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار ، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وقوله تعالى وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً إلى آخر الآية ، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج ، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ، وعدواة شديدة ، وضغائن وإحن وذحول ، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم ، فلما جاء الله بالإسلام ، فدخل فيه من دخل منهم ، صاروا إخواناً متحابين بجلال الله ، متواصلين في ذات الله ، متعاونين على البر والتقوى ، قال الله تعالى { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } الأنفال 62 ـ63 إلى آخر الآية ، وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم ، فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان ، وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين ، فعتب من عتب منهم بما فضل عليهم في القسمة ، بما أراه الله ، فخطبهم فقال " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي . وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي " ؟ فكلما قال شيئاً قالوا الله ورسوله أمنّ . وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج ، وذلك أن رجلاً من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة ، فبعث رجلاً معه أمره أن يجلس بينهم ، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ، ففعل ، فلم يزل ذلك دأبه ، حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ، ونادوا بشعارهم ، وطلبوا أسلحتهم ، وتوعدوا إلى الحرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم ، فجعل يسكنهم ويقول " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " ؟ وتلا عليهم هذه الآية ، فندموا على ما كان منهم ، واصطلحوا وتعانقوا ، وألقوا السلاح ، رضي الله عنهم . وذكر عكرمة أن ذلك نزل فيهم حين تثاوروا في قضية الإفك ، والله أعلم .