Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 104-109)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ } منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } ، قال الضحاك هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة ، يعني المجاهدين والعلماء . وقال أبو جعفر الباقر قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } ثم قال " الخير اتباع القرآن وسنتي " رواه ابن مردويه . والمقصود من هذه الآية ، أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه ، كما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فيلغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " وفي رواية " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " . وقال الإمام أحمد حدثنا سليمان الهاشمي ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة بن اليمان ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن أبي عمرو ، به ، وقال الترمذي حسن ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، مع الآيات الكريمة ، كما سيأتي تفسيرها في أماكنها . ثم قال تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } الآية ، ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم ، وتركهم الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، مع قيام الحجة عليهم . قال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثني أزهر بن عبد الله الحرازي ، عن أبي عامر عبد الله بن الهوزني ، قال حججنا مع معاوية بن أبي سفيان ، فلما قدمنا مكة ، قام حين صلى الظهر ، فقال إن رسول الله قال " إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاثة وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله " والله يا معشر العرب ، لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم ، لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به ، وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى ، كلاهما عن أبي المغيرة ، واسمه عبد القدوس بن الحجاج الشامي ، به ، وقد روي هذا الحديث من طرق . وقوله تعالى { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } يعني يوم القيامة ، حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } قال الحسن البصري وهم المنافقون { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } وهذا الوصف يعم كل كافر { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } يعني الجنة ، ماكثون فيها أبداً ، لا يبغون عنها حولاً ، وقد قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع عن ربيع بن صبيح وحماد بن سلمة ، عن أبي غالب ، قال رأى أبو أمامة رؤوساً منصوبة على درج مسجد دمشق ، فقال أبو أمامة ، كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه ، ثم قرأ { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } إلى آخر الأية ، قلت لأبي أمامة أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً حتى عد سبعاً ما حدثتكموه ، ثم قال هذا حديث حسن ، وقد رواه ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن أبي غالب ، وأخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي غالب بنحوه . وقد روى ابن مردويه عند تفسير هذه الآية عن أبي ذر حديثاً مطولاً غريباً عجيباً جداً . ثم قال تعالى { تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } أي هذه آيات الله وحججه وبيناته نتلوها عليك يا محمد بِٱلْحَقِّ أي نكشف ما الأمر عليه في الدنيا والآخرة { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَـٰلَمِينَ } أي ليس بظالم لهم ، بل هو الحاكم ، العدل الذي لا يجور لأنه القادر على كل شيء ، العالم بكل شيء ، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحداً من خلقه ، ولهذا قال تعالى { وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } أي الجميع ملك له ، وعبيد له { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة .