Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 130-136)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافاً مضاعفة كما كانوا في الجاهلية يقولون إذا حل أجل الدين ، إما أن تقضي ، وإما أن تربي ، فإن قضاه ، وإلا زاده في المدة ، وزاده الآخر في القدر ، وهكذا كل عام ، فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيراً مضاعفاً ، وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى والأخرى ، ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها ، فقال تعالى { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِىۤ أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ثم ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات ، فقال تعالى { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } أي كما أعدت النار للكافرين ، وقد قيل إن معنى قوله { عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } تنبيهاً على اتساع طولها ، كما قال في صفة فرش الجنة { فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } الرحمن 54 أي فما ظنك بالظهائر ؟ ، وقيل بل عرضها كطولها لأنها قبة تحت العرش ، والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله ، وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح " إذا سألتم الله الجنة ، فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة ، وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وسقفها عرش الرحمن " وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحديد { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } الحديد 21 الآية ، وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " وقد رواه ابن جرير فقال حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني مسلم بن خالد عن أبي خُثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، عن يعلى بن مرة ، قال لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص شيخاً كبيراً قد فسد ، فقال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلاً عن يساره ، قال قلت من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا معاوية ، فإذا كتاب صاحبي إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين ، فأين النار ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبحان الله ، فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " وقال الأعمش وسفيان الثوري وشعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب إن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض ، فأين النار ؟ فقال لهم عمر أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل ؟ وإذا جاء الليل أين النهار ؟ فقالوا لقد نزعت مثلها من التوراة ، رواه ابن جرير من ثلاثة طرق ، ثم قال حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا جعفر بن برقان ، أنبأنا يزيد بن الأصم أن رجلاً من أهل الكتاب قال يقولون { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } فأين النار ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنه أين يكون الليل إذا جاء النهار ، وأين يكون النهار إذا جاء الليل ؟ وقد روي هذا مرفوعاً ، فقال البزار حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا المغيرة بن سلمة أبو هشام ، حدثنا عبد الواحد ابن زياد عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن عمه يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أرأيت قوله تعالى { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } فأين النار ؟ قال " أرأيت الليل إذا جاء لبس كل شيء ، فأين النهار ؟ " قال حيث شاء الله ، قال " وكذلك النار تكون حيث شاء الله عز وجل " وهذا يحتمل معنيين أحدهما أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان ، وإن كنا لا نعلمه ، وكذلك النار تكون حيث يشاء الله عز وجل ، وهذا أظهر كما تقدم في حديث أبي هريرة عن البزار . الثاني أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب ، فإن الليل يكون من الجانب الآخر ، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش ، وعرضها كما قال الله عز وجل { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } الحديد 21 والنار في أسفل سافلين فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض ، وبين وجود النار ، والله أعلم . ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة فقال { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } أي في الشدة والرخاء ، والمنشط والمكره ، والصحة والمرض ، وفي جميع الأحوال ، كما قال { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } البقرة 274 والمعنى أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة الله تعالى ، والإنفاق في مراضيه ، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر . وقوله تعالى { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } أي إذا ثار بهم الغيظ ، كظموه ، بمعنى كتموه ، فلم يعملوه ، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم . وقد ورد في بعض الآثار « يقول الله تعالى يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت ، أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أهلك » ، رواه ابن أبي حاتم ، وقد قال أبو يعلى في مسنده حدثنا أبو موسى الزمن ، حدثنا عيسى بن شعيب الضرير أبو الفضل ، حدثني الربيع بن سليمان النمري عن أبي عمرو بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كف غضبه ، كف الله عنه عذابه ، ومن خزن لسانه ، ستر الله عورته ، ومن اعتذر إلى الله ، قبل الله عذره " وهذا حديث غريب ، وفي إسناده نظر ، وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا مالك عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " وقد رواه الشيخان من حديث مالك . وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد ، عن عبد الله ، وهو ابن مسعود رضي الله عنه ، قال قال رسول الله " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟ " قال قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه ، قال " اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله ، ما لك من مالك إلا ما قدمت ، وما لوارثك إلا ما أخرْتَ " قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تعدون الصرعة فيكم ؟ " قلنا الذي لا تصرعه الرجال ، قال " لا ، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب " قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تعدون فيكم الرقوب ؟ " قلنا الذي لا ولد له . قال " لا ، ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئاً " أخرج البخاري الفصل الأول منه ، وأخرج مسلم أصل هذا الحديث ، من رواية الأعمش به . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت عروة بن عبد الله الجعفي يحدث عن أبي حصبة ، أو ابن حصبة ، عن رجل شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال " أتدرون ما الرقوب ؟ " قلنا الذي لا ولد له ، قال " الرقوب ، كل الرقوب الذي له ولد ، فمات ولم يقدم منهم شيئاً " قال " أتدرون من الصعلوك ؟ " قالوا الذي ليس له مال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الصعلوك ، كل الصعلوك الذي له مال ، فمات ولم يقدم منه شيئاً " قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما الصرعة ؟ " قالوا الصريع ، قال فقال صلى الله عليه وسلم " الصرعة كل الصرعة ، الذي يغضب ، فيشتد غضبه ، ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره ، فيصرع غضبه " . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ، عن الأحنف ابن قيس ، عن عم له يقال له جارية بن قدامة السعدي ، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ، قل لي قولاً ينفعني ، وأقلل عليّ لعلي أعيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تغضب " فأعاد عليه حتى أعاد عليه مراراً ، كل ذلك يقول " لا تغضب " ، وهكذا رواه عن أبي معاوية عن هشام به ، ورواه أيضاً عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام به ، أن رجلاً قال يا رسول الله ، قل لي قولاً ، وأقلل عليّ لعلي أعقله ، فقال " لا تغضب " الحديث ، انفرد به أحمد . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال قال رجل يا رسول الله أوصني ، قال " لا تغضب " قال الرجل ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله ، انفرد به أحمد . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن ابن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبي الأسود ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال كان يسقي على حوض له ، فجاء قوم فقالوا أيكم يورد على أبي ذر ، ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا ، فجاء الرجل ، فأورد عليه الحوض ، فدقه ، وكان أبو ذر قائماً ، فجلس ثم اضطجع ، فقيل له يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لنا " إذا غضب أحدكم ، وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب ، وإلا فليضطجع " ، ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل بإسناده ، إلا أنه وقع في روايته عن أبي حرب عن أبي ذر ، والصحيح ابن أبي حرب عن أبيه عن أبي ذر ، كما رواه عبد الله بن أحمد عن أبيه . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم بن خالد ، حدثنا أبو وائل الصنعاني ، قال كنا جلوساً عند عروة ابن محمد ، إذ دخل عليه رجل ، فكلمه بكلام أغضبه ، فلما أن غضب ، قام ، ثم عاد إلينا وقد توضأ ، فقال حدثني أبي عن جدي عطية هو ابن سعد السعدي ، وقد كانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم ، فليتوضأ " وهكذا رواه أبو داود من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص المرادي الصنعاني ، قال أبو داود أراه عبد الله بن بحير . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا نوح بن جَعْونة السلمي ، عن مقاتل بن حيان ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أنظر معسراً ، أو وضع له ، وقاه الله من فيح جهنم ، ألا إن عمل الجنة حزن بربوة - ثلاثاً ألا إن عمل النار سهل بسهوة ، والسعيد من وقي الفتن ، وما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ جوفه إيماناً " ، انفرد به أحمد ، وإسناده حسن ليس فيه مجروح ، ومتنه حسن . حديث آخر في معناه قال أبو داود حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد الرحمن ، يعني ابن مهدي ، عن بشر ، يعني ابن منصور ، عن محمد بن عجلان ، عن سويد بن وهب ، عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أبيه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كظم غيظاً ، وهو قادر على أن ينفذه ، ملأه الله أمناً وإيماناً ، ومن ترك لبس ثوب جمال ، وهو يقدر عليه قال بشر أحسبه قال تواضعاً كساه الله حلة الكرامة ، ومن زوّج لله ، كساه الله تاج الملك " . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا سعيد ، حدثني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " من كظم غيظاً ، وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء " ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سعيد بن أبي أيوب به ، وقال الترمذي حسن غريب . حديث آخر قال عبد الرزاق أنبأنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم ، عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الجليل ، عن عم له ، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " من كظم غيظاً ، وهو يقدر على إنفاذه ، ملأه الله أمناً وإيماناً " رواه ابن جرير . حديث آخر قال ابن مردويه حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، أنبأنا يحيى بن أبي طالب ، أنبأنا علي بن عاصم ، أخبرني يونس بن عبيد عن الحسن ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله " رواه ابن جرير ، وكذا رواه ابن ماجه عن بشر بن عمر ، عن حماد بن سلمة ، عن يونس بن عبيد ، به ، فقوله تعالى { وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } أي لا يعملون غضبهم في الناس ، بل يكفون عنهم شرهم ، ويحتسبون ذلك عند الله عز وجل . ثم قال تعالى { وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم ، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد ، وهذا أكمل الأحوال ، ولهذا قال { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } فهذا من مقامات الإحسان ، وفي الحديث " ثلاث أقسم عليهن ما نقص مال من صدقة ، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ، ومن تواضع لله رفعه الله " ، وروى الحاكم في مستدركه من حديث موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن طلحة القرشي ، عن عبادة بن الصامت ، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " من سره أن يشرف له البنيان ، وترفع له الدرجات ، فليعف عمن ظلمه ، ويعط من حرمه ، ويصل من قطعه " ثم قال صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . وقد أورده ابن مردويه من حديث علي وكعب بن عجرة وأبي هريرة وأم سلمة رضي الله عنهم بنحو ذلك . وروي عن طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم القيامة ، نادى مناد يقول أين العافون عن الناس ؟ هلموا إلى ربكم وخذوا أجوركم ، وحق على كل امريء مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة " وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } أي إذا صدر منهم ذنب ، أتبعوه بالتوبة والاستغفار . قال الإمام أحمد حدثنا يزيد ، حدثنا همام بن يحيى عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن رجلاً أذنب ذنباً ، فقال رب إني أذنبت ذنباً ، فاغفره ، فقال الله عز وجل عبدي عمل ذنباً ، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ، ثم عمل ذنباً آخر فقال رب إني عملت ذنباً ، فاغفره ، فقال تبارك وتعالى علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ، ثم عمل ذنباً آخر فقال رب إني عملت ذنباً ، فاغفره لي ، فقال الله عز وجل علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ، ثم عمل ذنباً آخر فقال رب إني عملت ذنباً ، فاغفره ، فقال عز الله وجل عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، أشهدكم أني قد غفرت لعبدي ، فليعمل ماشاء " أخرجاه في الصحيح من حديث إسحاق بن أبي طلحة بنحوه . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر وأبو عامر ، قالا حدثنا زهير ، حدثنا سعد الطائي ، حدثنا أبو المدله مولى أم المؤمنين ، سمع أبا هريرة ، قلنا يا رسول الله ، إذا رأيناك ، رقت قلوبنا ، وكنا من أهل الآخرة ، وإذا فارقناك ، أعجبتنا الدنيا ، وشممنا النساء والأولاد ، فقال " لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي ، لصافحتكم الملائكة بأكفهم ، ولزارتكم في بيوتكم . ولو لم تذنبوا ، لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم " قلنا يا رسول الله ، حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال " لبنة ذهب ، ولبنة فضة ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام ، وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " ورواه الترمذي وابن ماجه من وجه آخر من حديث سعد ، به . ويتأكد الوضوء وصلاة ركعتين عند التوبة لما رواه الإمام أحمد بن حنبل حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر وسفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن علي بن ربيعة ، عن أسماء بن الحكم الفزاري ، عن علي رضي الله عنه ، قال كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ، نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيره ، استحلفته ، فإذا حلف لي ، صدقته ، وإن أبا بكر رضي الله عنه حدثني وصدق أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " ما من رجل يذنب ذنباً ، فيتوضأ فيحسن الوضوء قال مسعر فيصلي ، وقال سفيان ثم يصلي ركعتين ، فيستغفر الله عز وجل ، إلا غفر له " وهكذا رواه علي بن المديني والحميدي وأبو بكر بن أبي شيبة وأهل السنن ، وابن حبان في صحيحه والبزار والدارقطني من طرق عن عثمان بن المغيرة به ، وقال الترمذي هو حديث حسن ، وقد ذكرنا طرقه ، والكلام عليه مستقصى في مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وبالجملة فهو حديث حسن ، وهو من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنهما . ومما يشهد لصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء " وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه توضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدم من ذنبه " فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين ، عن سيد الأولين والآخرين ، ورسول رب العالمين ، كما دل عليه الكتاب المبين ، من أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين . وقد قال عبد الرزاق أنبأنا جعفر بن سليمان عن ثابت ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } الآية ، بكى . وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا محرز بن عون ، حدثنا عثمان بن مطر ، حدثنا عبد الغفور عن أبي نُصَيرة ، عن أبي رجاء ، عن أبي بكر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " عليكم بلا إله إلا الله ، والاستغفار ، فأكثروا منهما ، فإن إبليس قال أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون " عثمان بن مطر وشيخه ضعيفان . وروى الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العتواري عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال " قال إبليس يا رب وعزتك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني " وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عمر بن أبي خليفة ، سمعت أبا بدر يحدث عن ثابت ، عن أنس ، قال جاء رجل فقال يا رسول الله ، إني أذنبت ذنباً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أذنبت فاستغفر ربك " قال فإني أستغفر ، ثم أعود فأذنب ، قال " فإذا أذنبت فعد فاستغفر ربك " فقالها في الرابعة ، وقال " استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور " وهذا حديث غريب من هذا الوجه . وقوله تعالى { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } أي لا يغفرها أحد سواه ، كما قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا سلام بن مسكين والمبارك عن الحسن عن الأسود ابن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بأسير ، فقال اللهم إني أتوب إليك ، ولا أتوب إلى محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عرف الحق لأهله " وقوله { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي تابوا من ذنوبهم ، ورجعوا إلى الله عن قريب ، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها ، ولو تكرر منهم الذنب ، تابوا عنه . كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل وغيره ، قالوا حدثنا أبو يحيى عبد الحميد الحماني عن عثمان بن واقد ، عن أبي نُصَيرة ، عن مولى لأبي بكر ، عن أبي بكر رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أصر من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرة " ورواه أبو داود والترمذي والبزار في مسنده من حديث عثمان بن واقد . وقد وثقه يحيى بن معين به ، وشيخه أبو نُصَيرة الواسطي ، واسمه مسلم بن عبيد ، وثقه الإمام أحمد وابن حبان ، وقول علي بن المديني والترمذي ليس إسناد هذا الحديث بذاك ، فالظاهر أنه لأجل جهالة مولى أبي بكر ، ولكن جهالة مثله لا تضر لأنه تابعي كبير ، ويكفيه نسبته إلى أبي بكر ، فهو حديث حسن ، والله أعلم . وقوله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قال مجاهد وعبد الله بن عبيد بن عمير { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أن من تاب ، تاب الله عليه ، وهذا كقوله تعالى { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } التوبة 104 وكقوله { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } النساء 110 ونظائر هذا كثيرة جداً . وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد ، أنبأنا جرير ، حدثنا حبان ، هو ابن زيد الشرعبي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ، وهو على المنبر " ارحموا ترحموا ، واغفروا يغفر لكم ، ويل لأقماع القول ، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون " تفرد به أحمد . ثم قال تعالى بعد وصفهم بما وصفهم به { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } أي جزاؤهم على هذه الصفات { مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أي من أنواع المشروبات { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } يمدح تعالى الجنة .